قال القاضي أبو الطَّيِّبِ: وتوقف بعضهم في الشيراز، ولا معنى له، وفي المخيض وجه، قال القاضي الرُّويانيُّ: يُحْتَمَلُ ألا يحنث إلا بالحليب؛ لأن الاسم في العُرْف لا يقع إلا عليه، لكن العرب تسمي الجميع لبنًا، والعرف مضطرب، ولو أكل الزبد، ففيه ثلاثة أوجه:
أشبههما: وهو المذكور في "الشامل": أنه إن كان اللبن ظاهرًا فيه يحنث، وإن كان مُسْتَهْلَكًا فلا، ولا يحنث بأكل السمن؛ لأنه لا لبن فيه، ولا بالجبن والأقط والمصل. وعن أبَوَيْ علي بن أبي هريرة والطبري: أنه يحنث بجميع ما يُسِتَخْرَجُ من اللبن، وذكر: أن الجامد منْها لبن مجمَّدٌ، والظاهر الأول.
ومنها: لو حلف: لا يأكل السمن، لم يحنث بالأَدْهَان، ولو حلف؛ لا يأكل الدهن، فهل يحنث بأكل السمن؟ فيه وجهان:
أصحُّهما: أنه لا يحنث أيضًا، وقد يوجه الثاني؛ بأن الدهن قد يعبر بها عن الدسومة ويقام مقامها؛ ألا ترى أنَّهُ يُقَالُ: في حب كذا دهنية؟ ولا توضع السمينة موضعها.
ولو قال بالفارسية: (روغن نخورم) (1)، فعن القاضي الحسين وغيره: أنه يحنث بالأكل من كلِّ واحدٍ منهما.
ومنها: ذُكِرَ في الكتاب: أنه لو حلف؛ لا يأكل الجوز، يحنث بالجوز الهندي، ولو حلف؛ لا يأكل التمر، لا يحنث بالتمر الهندي، ويمكن أن يُفْرَقَ بأن الجوز الهنديَّ، وإن خالف الجوز المعروفَ في الشَّكْل، والصورة، ولكنه قريب منه في الطبع والطعم، والتمر الهندي يخالف التمر المعروف صورةً ولونًا وطبعًا وطعمًا، والذي ذكره في "التهذيب": أنه لا فرق بين الصورتَيْن، ولا يحنث بالهندي منهما، وكذا لو حلف؛ لا يأكل البطيخ، لا يحنث بالهنديِّ، أو لا يأكل الخيار، لا يحنث بهذا الذي يقال له خيار شنبر.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ لَمْ يَحْنَثْ بالشُّرْبِ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَوْ حَلَف لاَ يَأْكُلُ السُّكَّرَ فَوُضِعَ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ فَفِيهِ خِلاَفٌ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى العِنَبِ لَمْ يَحْنَثْ بِعَصِيرِهِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى السَّمْنِ لَمْ يَحْنَثْ إِذَا جَعَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَثَرٌ فَفِيهِ خِلاَفٌ، وَفِي الخَلَّ إِذا جَعَلَهُ فِي السِّكْبَاجِ وَجْهَانِ، وَالنَّصْ أنَّهُ لاَ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَذُوقُ فَأَدْرَكَ طَعْمَهُ وَمَجَّهُ فَوَجْهَانِ.