ولا يحْنَثُ بما اشتراه لزَيْدٍ وكيلُهُ، ويحْنَثُ بما اشتراه زيْدٌ لغيره، بوكالةٍ أو ولايةٍ، ولو اشتراه، ثم باعه من غيره، حَنِث؛ لأنه موصوفٌ بأنه اشتراه زيد؛ وكذا لو باع بعضه، فأكل منه الحالف، ولو أكل طعامًا اشتراه زيد وعمرو، لم يحنث؛ خلافًا لأبي حنيفة؛ وسلَّم أبو حنيفة أنه لو حلف؛ لا يلبس ما اشتراه زيد، فليس ثوبًا اشتراه زيْدٌ وعمرو؛ أنه لا يحنث.
أو حلف؛ لا يأكل من قِدْرٍ طبخها زيد، فأكل من قِدْرٍ طبخها زيد وعمرو، هذا ظاهر المذْهَب، وفيه وجهان آخران:
أحدهما: موافقة أبي حَنِيْفَةَ؛ لأنه ما مِنْ جزءٍ منه إلا، وقَدْ ورَدَ علَيْه شراءُ زيدٍ، وهذا ما اختاره القاضي أبو الطيب.
والثاني: أنه إنْ أكل منه النصْفَ، فما دونه، لم يحْنَثْ، وإن أكل أكثر من الصف، حنث؛ لأنا نتحقق حيئنذٍ؛ أنه أكل مما اشتراه زيد.
ولم يَفْرِقِ الأكثرون -رحمهم الله- بين أن يقول: لا آكل من طعامٍ اشتراهُ زيد، وبين أن يقول: طعامًا اشتراه زيْدٌ وخصَّص في "التهذيب" حكاية الوجْهِ بما إذا قَالَ: مِنْ طعامٍ اشتراه زيْدٌ وأطلق القول بعَدَمِ الحِنْث، فيما إذا قال: طعامًا اشتراه زيْدٌ، قال: إلا أنْ يريد ألاَّ يأكل طعامه، أو مِنْ طعامه، فيحنث بالمشترك، ولو اشترى زيد طعامًا وغيره طعامًا، وخلَطَ أحدهما بالآخر، فأكل الحالِفُ من المخلوط، ففيه وجوه:
أحدها: عن الإِصطخرِّي: أنه إن أكل النصْفَ فما دونه، لم يحنث وإن أكَلَ أكثر من النصف، حَنِثَ، وهذا عند استواء القدْرَينِ؛ لأنا حينئذ نتَحقَّق؛ أنه أكل ما اشتراه زيد، ويشبه ذلك بما إذا خلطت تمرة، وحلف ألاَّ ياكلها بتَمْرٍ كبيرٍ، فإنه لا يَحْنَثُ ما أبقى تمرة؛ فإنْ أكل الجميع، حَنِث؛ لأنا نتحقق حينئذٍ؛ أنه أكل المحْلُوف عليه.
وفي "الشَّامل" أن القاضي أبا الطيِّب اختار هذا الوجه.
وثانيهما: وبه قال ابن أبي هريرة: أنه لا يَحْنَث، وإنْ أكل الجميع؛ لأنه لا يمكن الإِشَارَةُ إلى شيء منْه بأنه اشتراه زيد، فصار كما اشتراه زيْدٌ مع غيره.
وأصحُّهما: وبه قال أبو إسحاق: أنه، إن أكل من المخلوط قليلاً، يمكن أن يكون ممَّا اشتراه الآخر، كالحبة، والحبتين من الحنطة والعشرة، والعشرين، لم يَحْنَثُ، وإن أكل قدرًا صالحًا، كالكف، والكفين، يحْنَث؛ لأنا نتحقَّق؛ أن فيه ما اشتراه زيد وإن لم يتعيَّن لنا.
وقوله في الكتاب "حنث، إذا أكل المخلوط" يقع ظاهره على الجميع، وإذا أكل جميع المختلط، يحنث باتفاق الوجه الأول والثالث الأصح، وينبغي أن يُعْلَمَ بالواو