للوجه الثاني، ولفظ "الوسيط": "إذا أكل من المختلط"، فظاهره الحكم بالحنث، بأي قَدْرِ أَكَلَ من المختلط، وهذا يخالف الوجوه الثلاثة، وهو بعيدٌ في نفسه فيحسن أن يؤول فينزل على الوجْهِ الأصحِّ.
فرع: عن نصِّه في "الأم": أنه لو قال: لا أسْكُنُ دَارًا لفلانِ، فسكن دارًا لغيره، فيها شرك قليل أو كثير، لا يحنث.
فرع: في تعليقة إبراهيم المروزي: أنه لو حلف؛ لا يأكل طعام زيد، فأكل طعامًا مشتركًا بينه وبين غيره، حنث، وقد حكينا عن "التهذيب" في الفصل ما يوافقه قال: ولو حلف، لا يلبس ثوب فلان، أو لا يركب دابته، فليس ثوبًا مشتركًا، أو دابَّةً مشتركةً بينه وبين غيره، لا يحنث. وفرق بأنَّ في مسألة الطعامِ انعقدِ اليمينُ عَلَى ألاَّ يطعم طعامًا مملوكًا له، وقد يطعم طعامًا مملوكًا له، لكنه لم يلبس مملوكًا له، ولم يركب دابة مملوكةً له، وهذا ينزع إلَى مذهب أبي حنيفة، حيث، قال: إذا حلف، لا يأكل طعامًا اشتراه زيد، فأكل طعامًا اشتراه زيد وعمرو، لا يحنث، وإذا حلف، لا يلبس قميصًا اشتراه زيد، أو لا أسكن دارًا اشتراها، يحنث بما اشتراه مع غَيْرِهِ، وفرق بينهما، بأنَّ بعض القميص ليس بقَمِيصٍ، وبعض الدار ليس بدارٍ، ولم يَشْتَرِ زَيْدٌ جميعَ القميص والدار.
واسْمُ الطعام يقع على القليل والكثير، ففي المأكُولِ طعامٌ اشتَرَاهُ زيْدٌ، وأما نحن: فإذا قلْنا: الطعامُ الذي اشتركَا في شرائِهِ ليس ولا بعْضُه المعيَّنَ مشْتَرَى زيْدٍ جاز أن يقول: الطعام المشترَكُ ليس ولا بعْضُه المعيَّنُ مالَ زيد، ولا يبعد التسويةُ بينهما.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ: لاَ أَشْتَرِي وَلاَ أَتَزَوَّجُ فَوَكَّل وَعَقَدَ الوَكِيلُ لَمِ يَحْنَثُ (م و)، وَكَذَا لَوْ قَالَ الأَمِيرُ: لاَ أَضْرِبُ فَأَمَر الجَلاَّدَ، وَإِنْ تَوَكَّلَ فِي هَذِهِ العُقُودِ لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا أَضَافَهُ إِلَى المُوَكِّلِ، وَفِيمَا نَوَى لِمُوَكِّلِهِ يَحْنَثُ عَلَى الأَظْهَرَ، وَلَوْ قَالَ: لاَ أُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَاشْتَرَى وَكِيلُ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثُ إِنْ كَلَّمَهُ، وَكَذَا فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا زَيْدٌ لاَ يَحْنَثُ إِذَا قَبِلَ وَكِيلُ زَيْدٍ، وَلَوْ قَالَ: لاَ أكُلِّمُ زَوْجَةَ زَيْدٍ حَنِثَ بِهَذَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسألة الثانية: إذا حلف؛ لا يشتري أو لا يبيع فوكَّل غيره، حتى باع أو اشترى، أو حلف؛ لا يضرب عبْدَهُ، فأمر غيره حتى ضربه، أو حلف الأمير والقاضي، فأمر الجلاَّد، حتى ضرب؛ لم يحْنَثْ (1)؛ خلافًا لمالكٍ فيما رواه القاضي ابن كج، وعن الربيع: أنه يحْنَثُ، إن كان الحالفُ من لا يتولَّى البيع والشراء والضرب