خلاًّ، أو لا آكل هذا التمر، فاتخذ منه عصيدةً، ثم فرض الأكل والشرب، ففيه الخلاف. وذكر الصيدلانيُّ؛ أن الشافعيَّ -رضي الله عنه- نص على عدم الحنث في الحنطة والتمر، وعلى الحنث في السخلة والصبي، وأنَّ من الأصحاب من جعلها على قولَيْن: منهم من فرق بفَرْقَيْنِ:
أحدهما: أن في مسألة الحنطة والتمر تَبَدَّلَ الاسم، وفي السخلة والصبيِّ تَبَدَّلَ الصِّفَة، وتبدل الصفة لا يسقط الحنث.
والثاني: أن الحنطة تفسير خبزًا، والتمر يصير عصيدةً؛ بفعلٍ ومعالجةٍ، وكبر السخلة والصبي بمضي الزمان، لا بصنعةٍ ومعالجة، ويجوز أن يُعْلَمَ؛ لما بيَّنَّا قوله في الكتاب في هذه الصورة "ففيه وجهان" بالواو، وقوله "لا ألبس قميصًا، فارتدى بقميص فوجهان، ولو فتقه واتَّزَرَ به، لم يحنث" وقد يُوهِمُ فرقًا بين الارتداء والاتِّزَار، ولا فرق بين الاتزار بالقميص والارتداء بعد الفتق، كالاتزار، وكان الأحسن أن يجري على مثال واحد.
فَرْعٌ: لو حلف؛ لا يلبس الخاتم، فجعله في غير الخِنْصِرِ من أصابعه، فعن المُزَنِيِّ في "الجامع الكبير": أنه لا يحنث؛ لأن الخاتم في العادة لا يُلْبَسُ في غير الخنصر، وعلى هذا الجواب جرى صاحب "التهذيب" وقاسه على ما إذا حلف ألا يلبس القَلَنْسُوَةَ، فجعلها في رِجْلِه، والذي حكاه الرويانيُّ عن الأصحابِ -رحمهم الله- أنه يحنث، والله أعلم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ لا يَخْرُجُ بَغَيْرِ إِذْنِهِ فَأَذِنَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ المَأْذُونُ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مَرَّةً بِإذْنِهِ انْحَلَّ (ح و) اليَمِينُ فَلا يَحْنَثُ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: لا تَخْرُجْ بَغَيْرِ خُفٍّ فَخَرجَتْ بِخُفٍّ لَمْ يَنْحَلَّ اليَمِينُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:
إحداهما: إذا حلف؛ لا يخرج فلانٌ إلا بإذنه، فأذن بحيث لم يسمع المأذونُ، ولم يعلم، وخرج فقد أطلق صاحب الكتاب فيه وجهين:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد -رحمهم الله- أنه يحنث، ويُشْتَرطُ في حصول الإذن سماعه وعلمه، كما لو حلف، لا يكلم فلانًا، فكلمه بحيث لم يسمع، ولأن المقصود ألا يخرج مخالفًا له، وإذا خرج، ولم يعلم إذْنَه، كان مخالفًا.
وأظهرهما: وهو المنصوص، والذي أورده عامة الأصحاب -رحمهم الله- أنه لا يحنث، لأن الإِذن والرضا قد حصل، وفي شرح "مختصر الجويني" التعبير عن هذا الخلافِ بقولَيْنِ منصوصٍ ومخرَّج، وأن التخريج من مسألة عزل الوكيل، وعلى هذا الخلاف ما إذا قال لزوجته إن خرجت بغير إذني، فأنتِ طالقٌ، ثم أذن، فخرجت،