مرضٍ أو سفرٍ، فلا فدية عليه؛ لأن من أفطر في رمضان بعذر، لا فدية عليه، ففي القضاء أولَى، وإن أفطر عمداً بلا سبب، فعليه الفدية؛ لتقصيره، كَمَنْ أفطَرَ في رمضان تعدياً، ومات قبل التمكن من القضاء، ويجوز أن يُعْلَمَ قوله في الكتاب "فعليه مُدٌّ" بالواو؛ لأن الإِمام قال: الصوم المنذر يُقَابِلُ بالفدية التي يُقَابَلُ بها صوم رمضان، على المذهب الظاهر، فأشعر بالخلاف فيه، ثم أراد الإِمام -رحمه الله- هاهنا شيئين:
أحدهما: أنه لو نوى في بعض الأيام قضاءَ يَوْمِ، أفطر فيه متعدياً، فالوجه أن يَصِحَّ، إن كان الواجبُ غَيْرَ ما فعل، ثم يلزمه المُدُّ لمَا ترك من الأداء في ذلك اليوم، ولك أن تقول: يجيء في الصحة الخلاف المذكور، فيما إذا عيَّن وقتاً للصوم بنذره ينعقد فيه صوم آخر؛ لأن أيام العمر قد عيَّنها بنذره للصَّوْم.
والثاني: هل يجوز أن يصوم عن المُفْطِرِ المتعدِّي وليُّه في حياته، تفريعاً على أنه يصوم عن الميت وليُّه؟ الظاهر عندنا جوازه؛ لتعذُّر القضاء منه؛ وفيه احتمال من جهة أنه قد يطرأ عذر يجوز ترك الصوم له، ويتصور تكلف القضاء فيه، وقد يُسْتَفَادُ مما ذكَرَهُ أنه إذا سافر قضى ما أفطره فيه متعدياً، وينساق النظر إلى أنه هل يلزمه أن يسافر ليقضي؟.
الثانية: نذر صوم يوم العيد لا ينعقد؛ لأنه منهي عن صومه، فأشبه ما إذا نذرت المرأةُ صوم يوم الحَيْضِ.
وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره، ويصوم يوماً آخر مكانه، وربما يُرْوَى أنه لو صامه خرج عن نذره، ولو نذر صوم أيام التشريق، لم ينعقد على المذهب أيضاً، وإذا فرَّعْنا على القديم، وهو أنه يجوز للمتمتع صومها، وجوَّزنا على أحد الوجهين لغَيْرِ المتمتِّع صومها، ففي "التتمة": أن في انعقاد النذر وجهَيْن؛ كنذر الصلاة في أوقات الكراهة، ولو نذر صوم يوم الشك، أو الصلاة في الأوقات المكروهة؛ ففي انعقاده وجهان مبنيَّانِ علَى الوجهَيْنِ في صحَّة الصوم فيه، والصلاة فيها؛ والأظهر المنع، وقد ذكرنا نذر يوم الشك في الصوم، والصورة الأخرَى في الصلاة والله أعلم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: النَّوْعُ الثَّانِي: الحَجُّ: فَإِذَا نَذَرَ الحَجَّ مَاشِياً وَقُلْنَا: المَشْيَ أَفْضَلُ لَزِمَهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ قَبْلَ الإِحْرَامِ فَفِي لُزُومِهِ وَجْهَانِ، فَإنْ قُلْنَا: يَلْزَمُ المَشْيُ قَبْلَ الإحْرَامِ فإنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى المَشْيِ مِنَ المِيْقَاتِ أَوْ مَنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْد أَحَدِ التَّحَلُّلَينِ عَلَى الأَظْهَرِ، وَلَوْ فَاتَهُ الحَجُّ أَوْ فَسَدَ لَزِمَهُ لِقَاءُ البَيْتِ، وَفِي جَوَازِ الرُّكُوبِ وَجْهَانِ، ثُمَّ يَلْزِمُ قَضَاءُ الحَجِّ المَنْذُورِ، وَلَوْ تَرَكَ المَشْيَ بِعُذْرٍ وَقَعَ الحَجُّ عَنْ نَذْرِهِ، وإنْ تَرَكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَولاَنِ، فَإنْ قُلْنَا: وَقَعَ فَفِي لُزُومِ دَمِ الشَّاةِ