يصلِّي ركعتين وحكى القاضي ابن كج عن أبِي الحُسَيْن: هل يكفي أن يصلي هناك فريضةً, أم لا بدّ من صلاة زائدة بناءً على وجهين نقلهما، فيما إذا نذر أن يعتكف شهراً بصوم، هل يجوز أن يعتكف في رمضان؟ وفرق بينهما بأن مجرَّد الإِتيان ليس بقُرْبة، فلا بدَّ وأن يضامَّة قُرْبَةٌ يتعلَّق بها النذرُ، والاعتكافُ في نفسه قُربةٌ.
والوجه الثاني: أنه يتعيَّن أن يعتكف فيه، ولو ساعةً؛ لأن الاعتكاف أخصُّ القُرَبِ بالمسجد، والصلاةُ لا تختصُّ به.
والثالث: أنه يتخيَّر بينهما؛ لتعارض المعنيين، وهذا أشبه وهو المذكور في "التهذيب" وعن الشيخ أبي عليٍّ: أن في مسجد المدينةِ يَكفِي أن يزورَ قَبْرَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وتوقف فيه الإِمامُ -رحمه الله- من جهة أنَّ الزيارة لا تتعلَّق بالمسجد، وتعظيمه، قال: وقياسه أنه لو تصدَّق في المسجد، أو صام يوماً كَفَاه، ثم فرق بأنَّ المُرُور لزيارةٍ يقع في بقعة المسجد، فيفصل عن الصدقة والصوم، والظاهر الاكتفاء بها، وإذا نَزَّلْنا المسجد الحرام مَنْزِلَةِ المسجدَيْن، وأوجبْنَا ضمَّ قُرْبَةٍ إلى الإِتيان، ففي تلك القُرْبة وجوه:
أحدها: الصلاة.
والثاني: الحجُّ والعمرةُ؛ لأنهما المختصَّان به، وهذا بدَلُ الاعتكاف في المسجدَيْن.
والثالث: يتخيَّر، قال الإِمام: ولو قيل: يكفي الطواف، لم يبعد، ثم مهما قال: أمْشِي إلى بيت الله الحرام، فليس له الركوب على الأظْهَرِ، بل يلزم المشي؛ كما ذكرنا، فيما إذا قال: أحجُّ ماشياً، وفيه الخلاف والتفاريع المذكورةُ هناك، نعم، الأظهرُ هاهنا أنه يمشي من دويرة أهله، فإن قضيَّة قوله أن يخرج من بيته إليه ماشياً، ووجه في "التهذيب" الوجه الآخر؛ وهو أنه يمشي من الميقات، بأن المقصود من الإِتيان الحجُّ أو العمرة فيمشي من حيث يحرم.
وذكر القاضي أبو الطيِّب وكثير من العراقيين؛ أنه لا خلاف بين الأصحاب -رحمهم الله- في أنَّه يمْشِي من دُوَيْرَةِ أهله، لكن يحرم من دويرة أهله أو من الميقات؟ فيه وجهان؛ قال أبو إسحاق وقال صاحب "الإِفْصاح": من الميقات، وهو الأظهر، وبه قال أحمد، ولو قال: أمْشِي إلَى المسْجِدِ الأقصَى أو إلى مسجد المدينة، ففي وجوب المَشْي والتفريع على وجوب الإِتيان وجهان؛ بناهما الشيخ أبو عليٍّ على الخلاف في التزام المشْي قبل الميقات؛ لأن كلَّ واحدٍ من المشيَيْن، وإن لم يكن في عبادة، فهو واقعٌ في القصد إلَى بقعةٍ معظمةٍ، والأظهر: الوجوب، ولو كان لفْظُ الناذِرِ الإِتْيَان أو الذهاب أو غيرهما ممَّا سوى المشي، فلا خلاف؛ أنه يجوز له الركوب أما إذا نذر إتيان مَسْجد آخر سوى المساجد الثلاثة، لم ينعقدْ نَذْرُه، إذْ ليس في قصدها وإتيانها قربةٌ مقصودةٌ.