أحدهما: ينعقد، وعليه الذبح والتصدق، كما لو نذر أن يهدي، يلزمه الذبح والتصدق.
وأصحهما: المنع؛ فإنه لم يتعلَّق نذره بقربة.
ولو نذر أن يُهْدِيَ بدنة أو شاةً إلى مكة أو أن يَتقرَّب بسوقها إليها ويذبحها، ويفرق اللحم عَلَى فقرائها, لزمه الوفاء، ولو لم يتعرَّض للذبح وتفرقة اللحم، فيلزمه الذبح بها أيضاً وفي تفرقة اللحم وجهان:
أحدهما: لا يجب تفرقة اللحم بها إلا أن يَنْوِيَ؛ لأنه لم يلتزم بل له أن يفرِّق في موضع آخر.
وأصحهما: الوجوب، حملاً على الهدايا الواجبة في الشرع، وقال الإِمام في توجيهه: إنما يتقيد الذبح بالحرم حتى يكون اللحم المفرَّق على أهله غضًّا طريّاً، وإلا، فلا أدب في اتخاذ الحرم مجازر، ولو نذر؛ أن يذبح خارج الحرم، ويفرِّق اللحم في الحرم عَلَى أهله؛ قال في "التتمة": الذبح خارج الحرم لا قُرْبَةَ فيه، فيذبح حيث شاء، ويلزمه تفرقة اللحم هناك، وكأنه نذر أن يهدي إلى مكة لحماً، ولو نذر أن يذبح بمكة ويفرِّق اللحم على فقراء بلدة أخرَى وفَّى بما التزمه، ولو قال: لله عليَّ أن أنحر أو أَذبح بمكةُ، لم يتعرَّض اللفقاللقربة والضحية ولا للتصَّدُّق باللحم، ففي انعقاد نذره وجهان:
أحدهما: لا ينعقد؛ لأن مجرَّد الذبح لا قُرْبَةَ فيه.
وأصحهما: الانعقاد، وهو الذي أورده الجمهور؛ لأن ذكر الذبح متصلاً بالنذر مضافاً إلى مكة يُشْعِر بالقربة، ولأن الذبح عبادةٌ معهودةٌ، وعلى هذا، فهل يجب التصدق باللحم على فقرائها؟ فيه الوجهان السابقان.
قال في "التهذيب": لو نذر الذبح بأفضل بلد كان كما لو نذر الذبح بمكة؛ فإنها أفضل البلاد، ولو نذر الذبح أو النحر ببلدة أخرَى، ولم يقل مع ذلك؛ وأتصدَّقُ على فقرائها, ولا نواه، فظاهر ما نقله المُزَنِيُّ -رحمه الله- ينعقد نذره، وبه قال أبو إِسحاق؛ لأن النحر يتضمن تفرقة اللحم ويستتبعها، ويُرْوَى أن رجلاً نذر أن ينحر إبلاً في موضع سماء، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ كَانَ فِيهِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالَ: لاَ قَالَ: هَلْ كَانَ فِيهِ عِيْدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالَ: لاَ فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْفِ بِنَذْرِكَ" (1) والأصحُّ، وهو المحكيُّ عن نصه في "الأم": أنه لا ينعقد نذره إلا إذا قال مع