استناد الجواب إلَى نَصٍّ أو إجماع، فلا حاجَةَ إلى السُّؤَال ثانياً وكذا لو كان المقلِّد ميِّتاً، وجوَّزناه، وإن عَرَفَ استناده إِلَى الرَّأْي والقياس، أو شَكَّ فيه والمقلِّد حَيٌّ، فوجهان:
أحدهما: أنه لا يحتاج إلى السُّؤَال ثانياً؛ لأن الظاهر استمراره على الجواب الأول.
وأصحُّهما: أن عليه السؤالَ ثانياً، وهما كان ذكرنا في تجْديد المجتهد الاجتهاد، وفي الاجتهاد في القِبْلَة.
ولو اختلف علَيْه جوابُ اثْنيَنْ في المسألة، فإنْ أوجبنا البحث وتقليد الأعلم، لم يجب الجواب، وإن لم نوجبه فأوجه.
أصحُّهما: أنه يتخير، ويأخذ بقول أيهما شاء.
والثاني: يأخذ بأغلظ الجوابين احتياطاً.
والثالث: يأخذ بأخفِّهما.
والرابع: بقول من يبني قوله على الأثر دون الرَّأْي.
وفي "البحْر" وجه آخر: أنه يأخذ بقول من سأله أوَّلاً؛ لأنه لزمه حين سأل (1)، وذكر وجهين في أن من استفتى فقيهاً، ولم تسكن نفسه إلى فتواه، يسأل ثانياً وثالثاً؛ لتسكن نفسه إليه، أم يجوز الاقْتِصَار على جواب الأوَّل، والقياسُ الثَّانِي؟.
الجملة الثالثة: فيما يتعلَّق بالطرفين؛ يجوز للمستفتي أن يسأل بنفسه، ويجوز أن يسأل برسول عدل يبعثه إليه، وبالرقعة، ويكفي ترجمان واحد، إذا لم يعرف لغته (2).
ومِنْ آداب المستفتي أَلاَّ يسأل المفتي، وهو قائم أو مشغول بما يمنعه من إعطاء الفِكْرِ حقه، وَأَلاَّ يقول إذا أجابه هكذا قُلْتُ أنا وأَلاَّ يطالبه بالحُجَّة على الجواب، فإن أراد معرفة الحُجَّة، سأل عنها في وقْتِ آخَر، وإذا سأل بالرقعة، فليكن كاتبُها حاذقاً؛ ليبين موضع السؤال ولينقط مواضع الاشتباه؛ كيلا يذهب الوهم إلى غير ما وقع عنه السؤال، كما يُحْكَى أنه كتب غفلاً في زمان أبي الحسن الكَرْخيِّ -رحمه الله-: ما يقول الفقهاءُ في رَجُلٍ قال لامرأته: أنتِ طالقٌ إنْ، ثم وقف عند "إنْ" فقرؤوه إن تمّ وقف عبدان، أجابوا بأنه إن تم وقفه، طُلِّقَتْ وإلاَّ، فلا، فَعُرِضَتِ الرقعةُ على الكَرْخِيِّ، فلما