أبو حامد وأتباعه والقاضي الرُّويانيُّ -رحمهم الله- ثم اختلفوا في محلِّ القولين من وجهين:
أحدهما: هل يجري القولان في جميع ما يقع فيه التداعي؟ فيه طريقان:
أحدهما: وهو اختيار القاضي ابن كج -لا، بل يختص بالأموال، فأما النكاح واللعان والقصاص وحد القذف، فلا يجوز التحكيم فيها؛ لأنها أمور خطيرة، فَتُنَاطُ بنَظَر القاضي ومنْصِبِه.
والثاني: وبه قال الأكثرون أن الخلاف جارٍ في جميع ما يقع فيه التَّداعِي؛ لإِطلاق الخبر السابق، وحدودُ اللهِ تعالَى لا يُحْكَم فيها، إذْ لَيْسَ لها طالبٌ معيَّن، وفي "التهذيب" وغيره ما يقتضي ذهاب بعضهم إلى إجراء الخلاف فيها.
والثاني: هل من فرق بين أن يكون في البلد قاضٍ أو لا يكون؟ فيه طرق:
أظهرهما: أنه لا فرق، وقال قائلون: القولان فيما إذا كان هناك قاضٍ، أما إذا لم يَكُنْ، فيجوز للضرورة، وعكس عاكسون، فقالوا: القولان فيما إذا لم يكن قاض، فإن كان، لم يَجُزْ بلا خلاف محافظةً على منصب القاضي.
التفريع: إذا جوزنا التحكيم، فيشترط في المُحَكَّم صفاتُ القاضي ولا ينفذ حكمه إلا على مَنْ رضي بحُكْمه، حتى لا يضرب دية القتل الخطأ على العاقلة، إذا لم يرضوا بحكمه، ولا يكفي رضى القاتل، وفيه وجه آخر: أنه يكفي، والعاقلة تبع له.
قال الشيخ أبو الفَرَجِ السَّرْخَسِيُّ: هذان الوجهان مخصوصان بقولنا: إن الدية تجب على الجاني، ثم على العاقلة يتحمَّلُون عنه. فأما إن قلْنا: إنها تجب على العاقلة ابتداءً، فلا خلاف في أنه لا تُضْرَب عليهم عنْد عَدَم الرِّضى وهذا حسن.
وذَكَرَ في الفَصْل شيئين آخرين:
أحدهما: أن رضا المتحاكمين إنَّما يُشْتَرَطُ، إذا لم يكن أحد المتحاكِمَيْنِ القاضِي نَفْسَه، فإن كان فهل يُشترَط رضا الآخر؟ حكى فيه اختلاف نص، وأن الظاهر أنه لا يُشْتَرط، وليكن هذا مَبْنِيّاً على جواز الاستخلاف، إن جاز، فالمرجوع إليه نائب القاضي.
والثاني: أنه يُشْتَرَطُ على أحد الوجهين أَنْ يكُونَ المتحاكِمَان، بحيث يجوز للمحكَّم أن يحكم لكل واحد منهما، حتى إذا كان أحدهما ابنه أو أباه، لم يجز التحكيم وليس للمحكَّم الحبس، بل عليه الإثبات والحكم، وفيه وجه بعيدٌ: أنه يحبس كالقاضي، وبم يلزم حكمه؟ فيه قولان، ويُقَالُ وجهان:
أحدهما: بتراضيهما بعد الحكم، وبه قال المزنيُّ؛ لأن رضاهما مُعْتَبَرٌ في