والثالث: أنَّه إن كان الخصمان سميعَيْن، فلا يُشْتَرط العدد، وإن كانا أصَمَّيْن أيضًا، يُشْتَرَطُ فإِنَّ الحاضِرَيْن لا يعتنون بما يقوله اعتناءَ الخُصُوم.
ومنْهُمْ من قطع باشتراط العدد، إذا كان الخصمان أصَمَّيْنِ، وهذا في إسماع خَصْمِ القاضي، فأما إسماع الخصم ما يقوله القاضي، وما يقوله الخصم، فقد حكى القاضي الرُّويانيُّ في "جمع الجوامع" عن القَفَّال: أنه لا حاجة فيه إلَى العدد، وإذا شرطَنْا العدد في المُسْمِع، ففي اشتراط لفْظِ الشَّهَادَةِ، وجهان:
أصحهما: اشتراطه، فيقول: أشهد أنه كذا وكذا.
والثاني: المنع؛ لأنَّا، وإن استظهرنا بالعدد، فليستْ هي شهادة محقَّقةً، فإن لم يشترط العَدَد، ففي اشتراط الحرية، وجهان، كما في شهادة هلالِ رَمَضَان، والأصحُّ الاشتراطُ وأنه لا يسلك به مَسْلَك الروايات، وليجر الخلاف في لفظ الشهادة، وفي الحرية على بعده من المترجم، ويشبه أن يكون الاكتفاء بإسماع رجل وامرأتين في المال عَلَى ما ذَكَرْنا في المترْجِم، وأجاب في "الوسيط" بالمنع، كما ذكره صاحب "التهذيب" هناك.
ورأى الإِمام أن يُطَّرَدَ في المترجْمِ الوجوهُ المذكورةُ في اشتراط العَدَد في المُسْمِع.
والوجه الثالث: فيه أن يُقَال: إن كان الخصمان عارفَيْن بالعربية، لكن لا يحسنان التعبير، لم يُشْتَرطِ العدد. وإن كانا لا يعرفانها، فيشترط، وميله إلى ترجيح الوجه الثالث فيهما جميعًا، والله أعلم.
وبقيت مسألة في الفَصْل؛ وهي أن المَسْمعَ لو طلب شيئًا ممَّنْ يُعْطَى، وتقدَّم عليها: أن القاضي، وإن لم يجد كفاية، فيجوز له أن يأخذ رزقًا من بيت المال؛ ليتفرغ للقضاء. رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيُّمَا عَامِلٍ اسْتَعْمَلْنَاهُ وَفَرَضْنَا لَهُ رِزْقَهُ فَمَا أَصَابَ بَعْدَ رِزْقِهِ، فَهُوَ غُلولُ" (1) ورُوِيَ أن أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- كان يأخذ كل يوم من بيت المال درهَمَيْن (2)، وأن عمر -رضي الله عنه- كان يَرْزُقُ شُرَيْحًا -رحمه الله- كلَّ شهْرٍ مائة درهم (3) وإن وجد كفاية، فيُنْظَرُ، إن تعيَّن عليه القضاء، لم يجز له أخْذُ