ابن الضَّبَّاغ والقاضي الرويانيُّ -رحمهما الله- وغيرهما.
والثانية: ذكر جماعة من الأئمَّة، منهم الإِمام، وصاحب "التهذيب" أن المنع من القضاء في حالة الغَضَب مخصوصٌ بما إذا لم يَكُنِ الغضبُ لله تعالَى جدُّه، فأما إذا غَضِب لله تعالَى في حكومة، وهو ممَّنْ يملك نَفْسَه فيما يتعلَّق بحظِّه؛ فلا بأس بقضائه، لحديث الزبير -رضي الله عنه- والأنصاريِّ؛ حين تخاصما في شراج الحَرَّة، وقد أوردناه في إحياء الموات ولكن احتج آخرون بهذا الحديث على أنه لو قضى في حال من الغضب، نفذ، وإن كان مكروهًا وهذا مصير منهم إلى قيام الكراهية في ذلك النوع من الغَضَب.
المسألة الثانية: إذا ادعى حقًّا عَلَى إنسان عنْد القاضي، فأقر به المُدَّعَى عليه، أو نكل، وحلف المُدَّعِي اليمينَ المردُودَةَ، ثم سأل المدَّعِي القاضيَ أن يشهد على أنه أقر عنْدَهُ، أو على أنه نكَلَ، وحلف المدعي؛ فعلى القاضي إجابته إليه؛ لأنه قد ينكر من بعد، فلا يتمكن القاضي من الحكم عليه، إن قلنا: إنه لا يقضي بعلمه، وإن قلنا: إنه يقضي بعِلْمِهِ، فربما ينسى، أو يُعْزَلُ، فلا يُقْبَلُ قوله، ولو أنه أقام البينة عَلَى ما ادعاه، وسأل الَقاضِيَ الإِشْهَادَ عليه فهل يلزم؟ فيه وجهان:
أقربهما: نعم، كما في الصورة السابقة.
والثاني: لا؛ لأن له بيِّنة فلا حاجة إلى بينة أخرَى.
ولو أنكر المُدَّعَى عليه، وحلف، وسأل القاضي الإشهاد؛ ليكون حجةً له، فلا يطالبه مرة أُخْرَى، فكذلك يجيبه إليه، وإن سأله أحد المتداعِيَيْنِ أن يكتب له محضرًا بما جرى، ليحتج به إذا احتاج، فيُنظَرُ، إن لم يكن عنده قرطاسٌ من بيت المال ولم يأتِ به الطالب، لم تجِبْ إجابته، وإن كان فيجب الإِجابة أو يستحب فيه وجهان:
أحدهما: يجب توثيقًا لحقِّه كما يجب الإِشهاد.
وأظهرهما: الاقتصارُ على الاستحباب؛ لأن الحق يثبت بالشهود، لا بالكتاب، وأيضًا، فإن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ومَنْ بَعْدَه من الأئمة كانُوا يحكمون ولا يكتبون المحاضر والسجلات.
قال صاحب "الشامل" وغيره؛ إن طلب صاحبُ الحقِّ أن يحكم له بما ثبت، له أن يحكم؛ فيقول: حَكَمْتُ له به، أو أنفذتُ الحكْمَ به، أو ألزمت صاحبه الحق، وإذا حكم، فلو طلب الإِشهاد على حكمه، لزمه الاِشهاد. وإن طلب أن يكتب به سِجِلاًّ، فعلى التفصيل، والخلاف المذكور في كتابة المحضر، ونقل القاضي ابن كج وجهًا ثالثًا: وهو أنه يجب التسجيل في الدَّيْنِ المؤجَّل، وفي الوقوف، وأموال المصالح، ولا