ولايته، كهدية من لم يعهد منه الهديَّة قبل تولِّي القضاء؛ لقرابة أو صداقة، ولا يحرم قبولُهَا؛ لأنها ليست حادثةً بسبب العمل.
وحكى صاحب "الشامل": أن بعض الأصحاب حكم بتحريمه، وهو قضية ما أطلقه الماوَرْدِيُّ، فإن زاد المُهْدِي على القَدْر المَعْهُود (1)، صارت هديته كهدية من لم تعهد منه الهدية. وحيث حكمنا: أن القبول ليس بحرام، فله الأخذ والتملُّك، فالأوْلَى أن يثيب عليها، أو يضعها في بيت المال، وإذا قلْنا، بالتحريم، فلو قيل: هل يملك؟ فيه وجهان:
أحدهما: ويُحْكَى عن صاحب "التقريب" نعم؛ لوجود التمليك والقبول.
وأشبههما: لا؛ لأنه قبول محرم، فلا يفيد المِلْك وشُبِّه الوجهان بالوجْهَيْنِ فيمن وهب الماء، وهو محْتَاجٌ إلَيْه للوضوء من غير عَطَشٍ بالمتهب، وذكر العراقيون تفريعًا عَلَى أنه لا يجوز القبول وجهين أو قولين فيما يَصْنَع بها لو قَبِلَ:
أحدهما: أنه يضعها في بَيْت المال.
والثاني: يردها على مالكها، وهذا فيه اضطراب، والقياس ما حكاه أبو الفرج الزاز، وهو أنه إذا لم يملك، ردَّها على مالكها، فإن لم يعرفه، وضَعَها في بيت المالِ.
وإذا عَرَفْتَ أن قَوْلَ الرِّشْوة حرامٌ مطلقًا، وقبول الهدية جائزٌ في بعض الأحوال، طلبت الفرق بينهما، وقلت: باذل المال راضٍ فيهما جميعًا، فَبِمَ نميِّزُ بينهما؟ والذي وجدتُّه في الفرق بينهما شيئان:
أحدهما: في كلام القاضي ابن كج: أنَّ الرِّشْوَة هي التي يُشْتَرَطُ عَلَى باذلها الحُكْمُ بغير الحقِّ، أو الامتناع عن الحكم بالحق، والهدية، هي العطية المطلقة.
والثاني: قال المصنِّف في الاِحياء المال إما أن يُبْذَلَ لغرض آجِلٍ، فهو قربةٌ وصدَقَةٌ، وإن كان لغرض عاجلٍ، فهو إما مالٌ، فهو هبةٌ بشرط الثواب، أو توقُّعِ ثواب، أو عَمَلٌ، فإن كان ذلك العَمَلُ حرامًا أو واجبًا متعينًا، فهو رشوةٌ، وإن كان مباحًا،