قَذْفٌ، فطُولِبَ بالحدِّ، فحاول إقامة البينة، لدفع الحدِّ عن نفْسه، لم تُقبْل شهادتُهُ للابن، وإن لم يقذف أو لم يُطَالِبْ بالحدِّ، وشهد الأبُ حسبةً، قُبِلَتْ شهادتُه، وهل تُقْبل شهادةُ أحَد الزوجين للآخر؟ فيه قولان:
أحدهما: لا، وبه قال أبو حنيفة، ويُرْوَى عن مالكٍ وأحمدَ أيضاً -رحمهم الله- لأنَّ كل واحدٍ منهما وارثٌ لا يُحْجَب، فأشبه الأب والابن.
وأصحُّهما: القَبُول؛ لأنَّ الحاصلَ بينهما عقْدٌ يطرأ ويزولُ، فلا يمنع قَبُولَ الشهادة، كما لو شهد الأجيرُ للمستأجر، وزاد بعضهُم قولاً آخر فارقاً، وهو ردُّ شهادة الزوْجَة لزوْجها دون شهادة الزوجِ لزوجته؛ لأنَّها تستحقُّ النفقة علَيْه، فهي متهمةٌ، والأقوال كالأقوال في قطْع أحدهما بسَرَقِة مالِ الآخرِ، وحَكَى صاحبُ "التهذيب" طريقةً قاطعةً بالقَبُول ورجَّحها، وتُقْبَلُ شهادة أحد الزوجَيْن على الآخر إذ لا تهمة، إلا أن الزَّوْج لا تُقبل شهادتُه عَلَى زوجته بالزنا؛ لأنه ينسبها إلَى خيانةٍ في حقه، فلا يُقْبَلُ قوله، كما إذا ادَّعى المالكُ خيانةً علَى المودَع، ولأنه خَصْمٌ لها فيما يقوله وتقبل شهادةُ الوالد على الولد، وبالعكس، فإنَّه لا تهمة، ولا فَرْقَ بَيْن أن تَكُونَ الشهادةُ بمالٍ أو عقوبةٍ، وفيه وجه أنَّه لا تُقْبَلُ شهادةُ الوَلَد على الوالد بالقصاص وحدِّ القذف؛ لأنه لا يجوز أن يكون الابنُ سبباً لعقوبة الأب، كما لا يقتصّ به، ولا يحدّ بقذفه، والظاهرُ الأوَّل ثم في الفصل فرعان:
أحدُهُما: وقد ذكره في "التفليس": في حبس الوالد بدَيْنِ الولد وجهان، وقد ذكرنا هناك أن الأصحَّ، عند صاحب الكتاب، الحَسْنُ، ويُقَالُ: إنَّه اختيار أبي زيْدٍ، وأنَّ الأصحَّ عند صاحب التهذيب، المَنْعُ قال الإِمامُ، وإلَيْه صارَ مُعْظَمُ أئمتنا -رحمهم الله- ونَقَلَ وجهاً ثالثاً، وهو أنَّهُ يحبس في نفقة ولَده، ولا يحبس في سائر الدُّيون، وهذا اختيار صَاحِبِ "التلخيص" وهو قريبٌ مما حكينا عن أبي حنيفةَ هناك.
الثاني: شَهِدَ بأن هذا العَبْد أو الدار لولَده ولفلانٍ الأجنبيِّ، فشهادته في حقِّ الولد مردودةٌ، وهل تُردُّ في حق الأجنبي؛ لأن الصيغة مُتَّحِدَةٌ، وقد اختلَّت برد بعض مقتضاها أو لا تُردُّ؛ لاختصاص المانع بالولد؟ فيه وجهان، ويُقال: قولان، والخلافُ كالخلافِ المشهورِ في تفريق الصفقة بل هو هو، وقد تعرَّضنا لهذا النَّوْع في مواضع.
وإذا عرفْتَ ما ذكرنا، أعْلَمْتَ قوله في الكتاب "فلا تُقْبَلُ" بالواو والزاي والألف.
وقولهُ: "والولد" بالميم؛ لرواية صاحب "التهذيب".
وقوله: "وتقبل شهادة أحد الزوجين" بالحاء والألف والميم.
وقوله: "على أحد القولَيْن" بالواو؛ للطريقة القاطِعَة.