وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّسَامُعِ لاَ يَكْفِي، ثُمَّ نَعْنِي بِالتَّصَرُّفِ البِنَاءَ وَالهَدْمِ أَوِ البَيْعِ وَالرَّهْن وَهُوَ تَصَرُّفُ المُلاَّكِ، أمَّا مُجَرَّدُ الإِجَارَةِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ فَفِيهِ وَجْهَانِ إِذْ قَدْ يَصْدُرُ ذَلِكَ مِمَّنِ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَأَمَّا الإِعْسَارُ فَإِنَّمَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِخِبْرَةِ البَاطِنِ وَشَهَادَةِ القَرَائِنِ كَصَبْرِهِ عَلَى الضّرِّ وَالجُوعِ فِي الخَلْوَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مَسْألَتَانِ:
إحداهما: فيما يتعلق بالتَّسَامُعِ المِلْكُ، فإن نَفْسَ المِلْكِ ليسَ ممَّا يبصر أو يسمع، والشَّهَادَةُ عليه تُبْنَى على ثَلاَثَةِ أمور وهي: اليَدُ، والتَّصَرُّفُ، والتَّسَامُعُ.
أما اليد: فهي بِمُجَرَّدِهَا لاَ تُفِيدُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ على المِلْكِ، لكن إذا رَأَى الشَّيء في يَدِ إِنْسَانٍ، جاز أن يَشْهَدَ له بِاليَدِ.
وفي "التهذيب": أنه إنما يشهد إذا رَآهُ في يده مُدَّةً طَوِيلَةً.
وحكى الإِمَامُ في إِفَادَةِ اليَدِ وَحْدَهَا، جَوَازَ الشهادة على المِلْكِ قولاً آخر (1). والظَّاهِرُ المَنْعُ، والتَّصَرُّفُ المُجَرَّدُ، كاليَدِ المُجَرَّدَةِ، لا يفيد جَوَازَ الشَّهَادَةِ على المِلْكِ (2). وإن اجتمع اليَدُ والتَّصَرَّفُ نُظِر؛ إن قَصُرَتِ المُدَّةُ، فالحُكْمُ كما في اليَدِ المُجَرَّدَةِ. وإن طَالَتْ، فوجهان قال أبو إِسْحَاقَ: لا تجوز الشَّهَادَةُ له بالمِلْكِ؛ لأن الغَاصِبَ، والوَكِيلَ والمستأجر، أَصْحَابُ يَدٍ، وتَصَرُّفٍ.
وقال الإِصْطَخْرِيُّ: يجوز؛ لأن امْتِدَادَ اليَدِ والتَّصَرُّفِ من غير مُنَازَعَةِ منازع (3) يغلب ظَنّ المَلْكِ. وبهذا قال أبو حَنِيْفَةَ، وكذلك أَحْمَدُ، وهو الأصَحُّ عند صاحب "التهذيب"، وحكاه الإِمَامُ عن اختيار الجُمْهُورِ.
وعن الشيخ أبي مُحَمَّدٍ: القَطْعُ به، فإن انْضَمَّ إلى اليَدِ والتصرف الاستفاضة، ونسبة الناس الملك إليه، جَازَتِ الشَّهَادَةُ بالمِلْكِ على الوَجْهَيْنِ، وهو غَايَةُ ما تُبْنَى عليه هَذِهِ الشَّهَادَةُ.
ونقل القاضي الرُّوَيَانِيُّ عن "المنهاج" قَوْلاً: أنه لا يَجُوزُ الشَّهَادَة على المِلْكِ، حتى يُعْرَفَ سَبَبُهُ. والصَّحِيحُ المشهور الأوَّل.