قال الأَصْحَابُ: ومُشَاهَدَةُ السَّبَب؛ لا يفيد مَعْرِفَةَ المِلْكِ، فإنه وإن رآه يَشْتَرِي، فقد لا يكون المَبِيعُ مِلْكاً للبائع. وإن رآه يَصْطَادُ، فربما اصْطَادَ غَيْرَهُ. ثم أَفْلَتَ، وأما التَّسَامُعُ وَحْدَهُ فهل يَجُوزُ به الشَّهَادَةُ على المِلْكِ؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كالنَّسَبِ، والمَوْتِ، وهذا؛ لأن أَسْبَابَ المِلْكِ كَثِيرَةٌ، ومنها ما يخفى، ويَعْسَرُ الوُقُوفُ عليه (1) وهذا أَقْرَبُ إلى إِطْلاَقِ الأكثرين.
والثاني: لا يجوز، ما لم تَنْضَمَّ إليه اليَدُ والتَّصَرُّفُ، كما لا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بالتَّسَامُعِ على أَسْبَابِ المِلْكِ. ويُحْكَى هذا عن نَصِّه في حَرْمَلَةَ (2)، واختاره القاضي الحُسَيْنُ، والامام، وصَاحب الكِتَابِ -رحمهم الله وإيَّانا-.
وهو الجَوَابُ في "الرَّقْمِ"، ويوافقه مَذْهَبُ أبي حَنِيْفَةَ -رحمه الله-.
واعْلَمْ أن جَوَازَ الشَّهَادَةِ على الأمْلاكِ بالتَّسَامُعِ، مشهور في المَذْهَبِ. فلعل من لا يَكْتَفِي به، يكتفي بانْضِمَام أَحَدِ الأَمْرَيْنِ، من اليَدِ أو التَّصَرُّفِ إليه. أو يعتبرهما جميعاً، ولكن لا يُعْتَبَر طُولُ المُدَّةِ فيهما، إذا انْضَمَّا إلى التَّسَامُعِ، وإلا فهما إذا طَالَتْ مُدَّتُهُمَا، كَافِيَانِ في جَوَازِ الشَّهَادَةِ على الأَظْهَرِ.
فلا يبقى للتُّسَامُعِ أَثَرٌ، ويُشْتَرَطُ (3) في جوَازِ الشهادة، بِنَاءً على التَّسَامُعِ، أو على اليَدِ والتَّصَرُّفِ، ألاَّ يعرف له مُنَازِعاً فيه، فإن الظَّنَّ حينئذ يَتَأَكَّدُ.
ونقل القاضي ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ في أن مُنَازَعَة من لا حُجَّةَ معه هل تَمْنَعُ (4) من الشَّهَادَة؟ ثم الكلام في شَيْئَيْنِ:
أَحدهما: طول المُدَّةِ والتَّصَرُّف، لا يَتَقَدَّرُ، بل الرُّجُوعُ فيه إلى العَادَةِ كذلك ذكره صاحب "التهذيب"، وغيره. وكان المُعْتَبَرُ مُدَّةً يحصل فيها غَلَبَةُ الظَّنِّ.
وفيه وجه: أن أَقَلَّ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ سَنَةٌ، وهذا كَوَجه ذَكَرْنَاهُ في مدة التَّسَامُعِ، إذا اعتبرنا امْتِدَادَ مُدَّتِهِ.