الحالة الثانية: إذا رَجَعُوا بعد القضاء، فَرُجُوعُهُمْ؛ إما أن يكون قَبْلَ الاسْتِيفَاء أو بعده. وإن رَجَعُوا قبل الاستِيفَاء, نُظِرَ: إن كانت الشَّهَادَةُ في مال فَيُسْتَوْفَى؛ لأن القَضَاءَ قد نَفَذَ به، وليس هو مما يُسْقِطُ الشُّبْهَةَ، حتى يَتَأثَّرَ بالرجوع. هذا هو المَنْصُوصُ.
والأصح، وفيه وجه؛ أنه لا يُسْتَوْفَى إذ الحُكْمُ لم يسْتَقِرَّ بعد، والظَّنُّ قد اخْتَلَّ بالرجوع. وعلى هذا، فلو كانت الشهادة في القِصَاصِ، أو حَدِّ القَذْفِ، فعدم الاسْتِيفَاءِ أَوْلَى، لكونهما عُقُوبَتَانِ تسقطَان بالشبهة.
وعلى الأول، فيه وجهان: أصحهما المنع، أيضاً لما ذكرنا.
وَوَجهُ جَوَازِ الاستيفاء؛ أن حُقُوقَ الآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ على الضّيق، وإن كانت الشَّهَادَةُ في حدود الله تعالى؛ فَأَوْلَى بألاّ يُسْتَوْفى. وإن كانت الشَّهَادَةُ في شيء من العُقُودِ، فتُمضَى على الأصَحِّ، كما أن الأَمْوَالَ تُسْتَوْفَى. ومنهم من جعل النكاح كَحَدِّ القَذْفِ، والقِصَاصِ. ويخرج من الخلاف المَنْقُولِ في العُقُوبَاتِ، فمطلقها، ثلاثة أوجه، كما ذكر في الكتاب.
ثالثها: الفرق بين عُقُوبَاتِ الآدَمِيِّين، وبين حُدُودِ الله تَعَالَى. وحيث قارنا بالاسْتِيفَاءِ بعد الرُّجُوعِ، فَاسْتَوْفَى، فالحُكْمُ كما لو رجعوا بعد الاسْتِيفَاءِ، وإن رَجَعُوا بعد الاسْتِيفَاءِ، لم يُنْقَضِ الحُكْمُ، خلافاً لمالك فيما يُحْكَى.
ثم لا يخلو ما إن كانت الشَّهَادة فيما يُتَعَذَّرُ رَدُّهُ، وتَدَارُكُهُ، أو فيما لا يُتَعَذَّرُ.
القِسْمُ الأول: ما يُتَعَذَّرُ تَدَارُكُهُ؛ وهو نوعان:
أحدهما: العُقُوبَاتُ؛ فإذا شهدوا بالقَتْلِ، فاقْتُصَّ من المَشْهُودِ عليه، ثم رجعوا، وقالوا: تَعَمَّدنَا قَتْلَهُ، فعليهم القِصَاصُ، أو الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ، مُوَزَّعَةً على عدد رُؤُوسِهِمْ، على ما هو مذكور، مع خِلاَفِ أبي حَنِيْفَةَ في الجِنَايَاتِ.
وكذا الحُكْمُ لو شَهِدُوا بالرِّدَّةِ، فَقُتِلَ، أو على المُحْصَنِ بالزنا فرُجِمَ، أو على غير المُحْصَنِ، فَجُلِدَ، ومات منه، أو على إِنْسَانٍ بالسَّرِقَةِ، أو بالقَطْعِ، فَقُطِعَت يَدَهُ (1) أو بالقَذْفِ، وشُرْبِ الخَمْرِ، فَجُلِدَ وَمَاتَ منه، ثم رجعوا؛ ويُحَدُّون في شهادة الزِّنَا كَحَدِّ القَذْفِ أو لا ذكر أبو الحسن العَبَّادِيُّ احْتِمَالَيْنِ في أنهم يُرْجَمُونَ، أو يُقْتَلُونَ بالسَّيْفِ، والأظهر الأَوَّل. ثم الكَلاَمُ في صُوَرٍ:
إحداها (2)، لو رجع القَاضِي دُونَ الشُّهُودِ، واعترف بالتَّعَمُّدِ، فعليه القِصَاصُ، أو الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ بِكَمَالِهَا.