الثانية: رجوع المزكي هل يَتَعَلَّقُ به ضَمَانٌ وَقِصَاصٌ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا, لأنه لم يَتَعَرَّضْ للمشهود عليه، وإنما أَثْنَى على الشَّاهِدِ، والحكم إنما يقع بِشَهَادَةِ الشاهد، فكان كالمُمْسِكِ مع القَاتِلِ.
والثاني: نعم؛ لأن التَّزْكِيَةَ تُلْجِئُ القَاضِى إلى الحُكْم المُفْضِي إلى القَتْلِ. والأول، أصح عند صاحب "التهذيب"، ولكن الثاني أوْفَقُ لكلام أكثرهم، وهو الذي أَوْرَدَهُ أبو الحسن العبادي. وفيه وَجهٌ ثالث: أنه يَتَعَلَّقُ به الضمان دون القِصَاصِ. ثم عن القَفَّالِ -رضي الله عنه- أن الخِلاَفَ فيما إذا قال المُزَكِّيَانِ: عَلِمْنَا أن الشَّاهِدَيْنِ كانا كَاذِبَيْنِ.
أما إذا قالا: عَلِمْنَا أنهما كانا فَاسِقَيْنِ، فلا شَيْءَ عليهما؛ لأنهما قد يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ مع الفِسْقِ، وطَرَدَ الإِمَامُ الخِلاَفَ في الحالتين (1).
الثالثة: ما ذكرنا في وجوب القِصَاص على الشُّهُودِ الراجعين، فيما إذا قالوا: تَعَمَّدْنَا. أما إذا قالوا: أَخْطَأْنَا، وكان القَاتِلُ، أو الزَّانِي غيره، فلا قِصَاصَ، وتجب الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً، لكن في ما لهم؛ لأن إِقْرَارَهُم لا يلزم العَاقِلَة، فإن صدقهم العَاقِلَةُ، فهي عليهم.
قال الإِمَامُ: وقد يرى (2) القاضي، والحالَةُ هذه، تَعْزِيرَ الشُّهُودِ، لتركهم التحفظ.
ولو قال أَحَدُ شَاهِدَي القَتْلِ: تَعَمَّدتُ، ولا أَدْرِي أن صَاحِبِي تَعَمَّدَ، أم لا؟ أو اقتصر على قوله: تَعَمَّدْتُ، وقال صاحبه: أَخْطَأْتُ. فلا قِصَاصَ على واحد منهما.
أما من قال: أخْطَأْتُ، فظاهر، وأما الآخر، فلأنه شَرِيكٌ مُخْطِئٌ، وشريك المُخْطِئِ لا يُقْتَلُ في الجُرْحِ، وقسط المخطئ من الدِّيَةِ يكون مُخَفَّفاً، وقِسْطُ التعمد مُغَلَّظاً. ولو قال كل واحد منهما: تَعَمَّدْتُ، وأخطأ صَاحِبِي، ففي القِصَاصِ وجهان:
أحدهما: يجب القِصَاص، لاعتراف كُلِّ واحد منهما بالعَمْدِيَّةِ، وثبوتها باعترافه.