وعن أبي علي الثقفي: أنه لا بُدَّ من إِعْلاَمِ قَدْرِ الطريق والمجرى.
قال: وكذا لو باع بَيْتاً من دَارٍ، وسَمَّى له طريقاً، ولم يُبَيِّنْ قَدْرَهُ لا يصح.
قال القاضي: والذي عندي، أنه لا يُشْتَرَطُ هذا الإِعْلاَمُ في الدعوى، ولكن يُؤْخَذُ على الشُّهُودِ إِعْلاَمُ الطريق، ومسيل (1) الماء بالذّرْعَانِ؛ لأن الشَّهَادَةَ أعلى شَأْناً، فإنها تَسْتقِلُّ بإيجاب الحُكْمِ، بخلاف الدَّعْوَى. ولو أحضر المُدَّعِي قِطْعَةَ بَيَاضٍ حَرَّرَ فيها (2) دَعْوَاهُ، وقال: أَدَّعِي ما فيها، وادَّعَى ثَوْباً بالصِّفَاتِ المكتوبة في تِلْكَ القِطْعَةِ، هل يكفي ذلك لِصِحَّةِ الدَّعْوَى؟ فيه وجهان (3).
الوصف الثاني: كون الدعوى مُلْزِمَةً، فلو قال: وَهَبَ مِنِّي كذا، أو باع، لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، حتى يقول: ويلزمه التَّسْلِيم إلَيَّ؛ لأنه قد يَهَبُ ويرجع، ويبيع ويفسخ. هكذا نَقَلَ الفَوْرَانِيُّ وغيره، وهو المَذْكُورُ في الكتاب. ويَقْرُبُ منه مَا ذَكَرَ القاضي أبو سَعْدٍ؛ أنه يقول في دَعْوَى الدَّيْنِ: لي في ذِمَّتِهِ كذا، وهو يَمْتَنِعُ من الأدَاءِ الواجب عليه.
قال: وإنما يتعرَّضُ لوجوب الأَدَاءِ , لأن الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يجب أَدَاؤُهُ في الحال، وكأن هذا فيما إذا قَصَدَ بالدَّعْوَى تَحْصِيلَ المدعى، ويجوز أن يكون المَقْصُودُ بالدعوى دَفْعَ المُنَازَعَةِ، فلا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لوجوب التَّسْلِيمِ.
وذكر في "الشامل" أنه لو قال: هذه الدَّارُ لي، وأنه مَنَعَنِي منها، تَصِحُّ الدعوى، ولا يُشْتَرَطُ أن يقول: إنها في يَدِهِ؛ لأنه يَجُوزُ أن يُنَازِعَهُ، وان لم تكن في يَدِهِ (4).
وإذا ادَّعى، ولم يقل للقاضي مُرْهُ بالخُرُوجِ عن حَقِّي، أو سَلْهُ جَوَابَ دَعْوَايَ، فهل يُطَالِبُهُ القاضي؟