إحداها: التَّغْلِيظُ يَقَعُ بوجوه:
أحدها: التَّغْلِيظُ اللفظي، وهو على ضَرْبَيْنِ:
أحدهما: التعديد، والتكرير. وهو مَخْصُوصٌ بالقَسَامَةِ، واللّعَانِ، وواجب فيهما.
والثاني: زَيادَةُ الأسماء، والصِّفَاتِ، بأن يقول: وَاللهِ الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي يَعْلَمُ من السِّرِّ ما يعلم من العَلاَنِيَةِ. ويقول: بالله الطَّالب، الغالب، المدرك، المهلك، الذي يعلم السِّرَّ وأَخْفَى. وهذا الضَّرْبُ مُسْتَحَبٌّ. فلو اقْتَصَرَ على قوله: بالله، كفى. واسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- أن يَقْرَأَ على الحَالِفِ قَوْلَهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} آل عمران: 77 وأن يحضر المُصْحف ويوضع في حِجْرِ الحَالِفِ. وذكر بعض الأصحاب أنَّه يحلف قائماً زِيادَةً في التَّغْليظ (1).
والوجه الثاني: التغليظ بالمَكَانِ.
والثالث: التَّغْلِيظُ بالزَّمَانِ. وهما بِتَفْصِيلِهِمَا مَذْكُورَانِ في باب اللعان. والتغليظ بالمكان، مُسْتَحَبٌّ، أو وَاجِبٌ، حتى لا يُعتَدَّ بالحَلِفِ في مكان آخر، فيه قولان:
أصحهما: الأول. وفي التَّغْلِيظِ بالزَّمَانِ، طريقان: منهم من جعله على القولين، ومنهم من قَطَعَ فيه بالاسْتِحْبَابِ.
وعن ابن القَاصِّ: القطع بالاسْتِحبَابِ في التَّغْلِيظِ بالمكان أيضاً.
ورأى الإِمام طَرْدَ الخِلاَفِ في الضَّرْبِ الثاني من التَّغْلِيظِ اللفظي أيضاً (2) ومن وجوه التغليظ المذكور في اللعان، التَّغْلِيظ بحضور جَمْعٍ، ولم يذكروه هاهنا. ويشبه أن يُقَالَ: الأَيْمَانُ التي تَتَعَلَّقُ بإثبات حد أو (3) دفع حدٍ، يكون التغليظ فيه بالجمع. كما في اللّعَانِ. ثم التَّغْلِيظُ، يكون بطلب الخصم. أم يغلظ القاضي وإن لم يطلب الخَصْم؟
حكى القَاضِي ابْنُ كَجٍّ فيه وجهين، وذكر أن الأَصَحَّ منهما الثَّاني، ويُشْبِهُ أن يكونا جَارَييْنِ، سواء قلنا بالاسْتِحْبَابِ، أو بالإيجَابِ.