والثاني: أن البَيِّنَةَ الأُخْرَى أَوْلَى، وقد يُوَجَّهُ بأن العَقْدَ الثاني نَاسِخٌ للأول، وربما تخللتها (1) إِقَالَةٌ وعن صاحب "التقريب" وغيره: أن مَوْضِعَ هذين القولين ما إذا لم يَتَّفِقَا على أنَّه لم يَجْرِ إلا عَقْدٌ وَاحِدٌ، فإن اتَّفَقَا عليه، فالبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ أيضاً.
ولك أن تَقُولَ: وجب أن يُقَالَ: مَوْضِعُ التَّعَارُضِ في البَيِّنَتَيْنِ المُطْلَقَتَيْنِ، وفي اللَّتَيْنِ إحداهما مُطْلَقَةٌ، والأخرى مُؤَرَّخَةٌ أيضاً -ما إذا اتَّفَقَا على أنَّه لم يَجْرِ إلا عَقْدٌ واحد، فإن لم يَتَّفِقَا عليه، فلا تَنَافِيَ بين البَيِّنَتَيْنِ؛ لجواز أن يكون تَارِيخُ المطلقتين مُخْتَلِفاً. وأن يكون تَارِيخُ المُطْلَقَةِ غَيْرَ تَارِيخِ المُؤَرَّخَةِ، وإذا لم يكن تَنَافٍ، ثبت أَكْثَرُ الزِّيَادَةِ بالبَيِّنَةِ الزائدة.
وقوله في الكتاب: "فالأصح ألا ترجيح" مُعَلمٌ بالحاء لما سبق.
وقوله: "وكذلك إذا ادَّعَى أحدُهمَا الكراء (2) بعشرة
... " إلى آخره، يعني الأَصَحَّ في هذه الصورة أيضاً، أنَّه لا تَرْجِيحَ، بل يَتَعَارَضَانِ في الصورتين.
وقوله: "أو القرعة" مُعَلمٌ بالواو، لما ذكرنا عن ابْنِ سَلَمَةَ. وأيضاً فالذَّاهِبُونَ إلى القِسْمَةِ، أو الوَقْفِ في صورة التَّعَارُضِ، منهم من يرجح (3) إلى التَّسَاقُطِ عند تَعَذُّرِهِمَا لا إلى القُرْعَةِ. وقوله: "أما القِسْمَةُ فلا يمكن".
وقوله: "وقول الوَقْفِ لا يمكن" مُعَلَّمَانِ بالواو، لرواية المَاسَرْجَسِيِّ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ ادَّعَى رَجُلاَنِ دَاراً فِي يَدِ ثَالِثٍ يَزْعُمُ كُلُّ وَاحِدٍ أنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَوَفَّرَ الثَّمَنَ، فَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا قُدِّمَ، وَإِلاَّ جَرَتِ الأَقْوَالُ الأَرْبَعَةُ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنَ الدَّارِ إمَّا بِقرْعَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ رُجِعَ إلَى الثَّمَنِ إِذْ لاَ تَضَادَّ فِي اجْتِمَاعِ الثَّمَنَيْنِ، فَلَوْ قَضَيْنَا بِالقِسْمَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ خِيَارُ الفَسْخِ فَإذَا فُسِخَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ إلَى الثَّمَنَ وَكَانَ لِلآخَرِ أَخْذُ جَمِيعِ الدَّارِ، وَفِي المَسْأَلَةِ قَوْلٌ خَامِسٌ أنَّهُ يَسْتَعْملُ البَيِّنَةَ فِي فَسْخِ العَقْدَيْنِ لِتَعَذُّرِ الإِمْضَاءِ، فَيَرْجَعَانِ إلَى الثَّمَنَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: دَارٌ في يد رجل، جاء اثْنَانِ، ادَّعَى كُلُّ واحد منهما أَنِّي اشْتَرَيْتُهَا من صَاحِب اليَدِ بكذا، وَوَفَّرت الثَّمَن، وطَالَبَهُ بتسليم الدَّارِ، فَيُنْظَرُ: إن أَقَرَّ لأحدهما سُلِّمَتِ الدَّارُ إليه، وهل للآخر تَحْلِيفُهُ؟
قال الشيخ أبو الفَرَجِ: إن قلنا: إن إِتْلاَفَ البَائِعِ كَآفَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فليس له