تَحْلِيفُهُ (1)؛ لأن قَضِيَّةَ قوله: إن البيع قد انْفَسَخَ بِتَفْوِيتِ البَائِعِ عليه.
وإن قُلْنَا: إنه (2) كَإِتْلاَفِ الأَجْنَبِيِّ، وأَثْبَتْنَا الخِيَارَ فأجاز، وأَرَادَ أن يَطْلُبَ من البائع قِيمَتَهُ، فَيُبْنَى التَّحْلِيفُ على الخِلاَفِ في أنَّه لو أَقَرَّ لِلثَّانِي بعد الإِقْرَارِ الأَوَّلِ، هل يُغَرَّمُ؟ وقد سَبَقَ نظيره، ولا تَمْتَنِعُ دَعْوَى الثَّمَنِ على الآخر؛ فإنه كهَلال المبيع قبل القَبْضِ في زَعْمِهِ، وإن أَنْكَرَ ما ادَّعَيَا، ولا بَيِّنَةَ، حلف لكل وَاحِدٍ منهما يَمِيناً، وقُرِّرَتِ الدَّارُ في يده (3). وإن أقام أحَدُهُمَا بَيِّنَةً سُلِّمَتِ الدَّارُ إليه، وليس للآخر تَحْلِيفُهُ، لِتَغْرِيم العَيْنِ؛ فإنه لم يفوتها عليه، وإنما أُخِذَت بالبينة (4) وله دَعْوَى الثَّمَنِ.
وإن أقام كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، نظرنا، فإن كانا مُؤَرَّخَتَيْنِ بتَارِيخَيْنِ مختلفين، قُضِيَ بأسْبَقِهِمَا تَارِيخاً؛ لأنه إذا بَاعَ من أحدهما، لم يَتَمَكَّنْ من البَيْع من الثاني، وإن لم يكونا كذلك، فأما أن يَسْتَمِرَّ صَاحِبُ اليد على الإِنْكَارِ والتَّكْذِيبِ، أوَ يُصَدَّقَ بعد قِيَامِ البَيِّنَتَيْنِ.
أحدهما الحالة الأولى: إذا اسْتَمَرَّ على التَّكْذِيب، فالبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ، فإن قلنا: بالتَّهَاتُرِ سَقَطَتَا، وحَلَفَ المُدَّعَى عَلَيْهِ لكل وَاحِدٍ منهمَا، كما لو لم يكن بَيِّنَةٌ، وهل لهما اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ؟ .. فيه وَجْهَانِ مَنْقُولاَنِ في "الإِبَانَةِ":
أحدهما: لا؛ لحكمنا بِسُقُوطِ البَيِّنَتَيْنِ.
وأظهرهما: نعم؛ لأن بَيِّنَةَ كُلِّ واحد منهما شَهِدَتْ بِتَوَفُّرِ الثمن، وإنما يَسْقُطَانِ فيما فيه التَّعَارض، وهو رَقَبَةُ الدَّارِ دون الثَّمَنَيْنِ، وهذا إذا لم تَتَعَرَّضِ البَيِّنَةُ لقبض المَبِيعِ. فإن فُرِضَ التَّعَرُّضُ له، فلا رُجُوعَ بالثَّمَنِ؛ إذ العَقْدُ قد اسْتَقَرَّ بالقَبْضِ، وليس على البَائِعِ عُهْدَةُ ما يحدث بعده.
وإن قلنا: بالاسْتِعْمَالِ، فالأَشْهَرُ، أنَّه لا يجيء قَوْلُ الوَقْفِ، بِنَاءً على أن النِّزَاعَ في العَقْدِ والعُقُود لا توقف.