وقيل لي: احْضِرْ، فلعله يُلْحِقُهُ بك، فأقبلت على نَاقَةٍ يَقُودُهَا عَبْدٌ لنا أَسْوَدُ كبير، فلما وقع بَصَرُهُ علينا قال: اللهُ أكبر، ذاك الرَّاكبُ، أبو الغُلاَم. والقائد الأَسْوَدُ أبو الرَّاكِبِ، فَغُشِيَ عَلَيَّ من صُعُوبَةِ ما سَمِعتُ، ولما رجعت، ألْحَحَتُ على والدتي لِتُخْبِرَنِي، فأخبرتني: أن أبي طَلَّقَها ثلاثاً، ثم نَدِمَ. فأمر هذا العَبْدَ بنكاحها؛ للتحليل، ففعل، فَعَلِقْتُ منه، وكان ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، قد بلغ الكبر (1)، وليس له وَلَدٌ فاستلحقك، ونكحني ثانية.
وقوله في الكتاب: "وله ثلاثة أركان"؛ أي الباب بترجمته، ولا يحسن رَدُّ الكتابة إلى إِلْحَاقِ القَائِفِ؛ لأنه جعل أَحَدَ الأركان المستلحق، والاسْتِلْحَاق.
ولا يُشْتَرَطُ في إِلْحَاقِ القَائِفِ، بل الولد قد يُعْرَضُ على القَائِفِ، ويلحقه القَائِفُ من غير اسْتِلْحَاقٍ، على ما سَيَأْتي.
والاسْتِلْحَاقُ لا يحوج إلى إِلْحَاقِ القَائِفِ في الأَغْلَبِ.
وهل يُعْتَبَرُ في المستلحق الحرية؟ فيه خلاف قد ذكرناه في باب اللَّقِيطِ. والأصح، أنه لا يُعْتَبَرُ، بل يَصِحُّ اسْتِلْحَاقِ العَبْدِ كاسْتِلْحَاقِ الحُرِّ. ويجري الخِلاَفُ في المعتق (2) بالترتيب. وكيف الترتيب؟ ذكرنا في باب (3) اللَّقِيطِ أن المُعْتَقَ أَوْلَى. بأن يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ؛ لأنه قَادِرٌ على النكاح والتَّسَرِّي اسْتِقْلالاً.
ومنهم من عَكَسَ، وقال: اسْتِلْحَاقُهُ أَوْلَى بالمنع؛ لأن الوَلاَءَ حَاصِلٌ عليه في الحال، وهو بالاسْتِلْحَاقِ يقطعه، والعَبْدُ لاَ وَلاَءَ عليه في الحال.
وقوله: "وفي العَبْدِ والمُعْتَقِ وجه". المشهور في المَسْأَلَةِ اختلاف القول، لا اخْتِلاَفُ الوجه. ويمكن أن يُعْلَمَ بالواو؛ لطريقتين ذكرناهما في باب اللَّقِيطِ.
وقوله: "لا يثبت نسبه بِمُجَرَّدِ الدعوى"، يعني أنه لا يَكْفِي لِلإِسْتِلْحَاقِ وحده، بل لا بد من ظُهُورِ نِكَاحِ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ؛ ليثبت النَّسَبُ. وهل يُشْتَرَطُ الذكورة في المستلحق أم يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ المَرْأَةِ؟ فيه ثلاثة أوجه قد ذكرها، وذكرناها في اللَّقِيطِ، وهي مُكَرَّرَةٌ هاهنا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: (الرُّكْنُ الثَّانِي: المُلْحِقُ:) وَهُوَ كُلُّ مُدْلِجيَّ مُجَرِّبٍ أَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ، وَفِي غَيْرِ المُدلِجِيِّ إِذَا تَعَلَّمَ القِيَافَةَ وَجْهَانِ، وَتَجْرِبَتُهُ بِأَنْ يُعْرَضَ وَلَدٌ بَيْنَ ثَلاثةِ أَصْنَافٍ مِنَ النِّسْوَةِ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ فِي صِنْفٍ رَابعٍ فِيهِنَّ أُمُّهُ، فَإِنْ أَصَابَ فِي الكُلِّ قُبِلَ قَوْلهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أنَّهُ يُشْتَرَط فِي القَائِفِ الذُّكورَةُ وَالحُرِّيَّةُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ العَدَدُ.