قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطَّرَفُ الثاني في كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ والتجزئة التي تترتب عليها القرعة، وفيه فصلان:
الأول: في كيفية القُرْعَةِ -وقد مَرَّ في "باب القسمة": أن للقرعة طريقين:
أحدهما: أَنْ يَكْتُبَ أسماء العبيد في رِقَاع ثمَ يَخْرُجُ على الرِّقِّ والحرية.
والثاني: أن يكتب في الرقاع "الرق" و"الحرية" وَيَخْرُجُ على أسماء العبيد. وذكرنا أن من الأصحاب -رحمهم الله- من أثبت قولين في أنه يقرع بالطريق الأول، أو الثاني؟ وأن في كون ذلك الخلاف في الجواز، أو الأَوْلَويَّةِ؟ خلافاً آخر، وَأَنَّ عَامَّتَهُم ذهبوا إلى أن في العتق يَسْلُكُ ما شاء من الطريقين ولفظ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الْمُخْتَصَرِ" يدل عليه، وإِثْبَاتُ الأسماء والإخراج على الرق والحرية أَخْصَرُ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الرق والحرية، والإخراج على الأسماء قد يُحْوِجُ إلى إعادة القرعة مرة أخرى كما سنفصل.
وَاسْتَحَبَّ الشَّافعي -رضي الله عنه- على الطريقين أن تكون الرِّقَاعُ صغاراً؛ لتكون أخفى، وأن تكون متساوية، وأن تدرج في بَنَادِقَ، وتجعل في حجر من لم يحضر هناك على ما بينا في "القسمة"، وأن تُغَطَّى بثوب، ويدخل من يخرجها اليد تحته، وكل ذلك ليكون أبعد عن التُّهْمَةِ؛ ولا تتعين الرقاع، بل تجوز القرعة بأقلام متساوية وبالنوى وبِالبَعَرِ.
وقد روِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- أَقْرَعَ في قسمة بعض الغنائم بِالبَعَرِ، وأنه أَقْرَعَ مرة بِالنَّوَى.
وذكر الصَّيْدَلاَنِيُّ أنه: لا يجوز أن يُقْرَعَ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كدواة وقلم، وحصاة وقد يتوقف في هذا؛ لأن المخرج إذا لم يعلم ما اختاره كُلُّ واحد منهم لا يظهر فيه حَيْفٌ، ويدل عليه ما ذكر الإِمَامُ: أَنَّ الْغَرَضَ تحكيم القرعة على وجه لا يبقى فيه خيال الخيانة، وَالمُوَاطَأَةِ، ولسنا نضبط وجهاً من القرعة ولذلك قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه-: "أَحَبُّ القرعة إِلَيَّ وأبعدها عن الحيف رِقَاعٌ صِغَارٌ
... " إلى آخره. ولا يَجُوزُ الإعراض عن القرعة أصلاً، والتمييز بطريق آخر، بأن يَتَّفِقُوا على أنه إن طار غُرَابٌ ففلان حر، أو أنَّ مَنْ وَضَعَ على (1) صبي يده فهو حر، أو أن يراجع شخص لا غرض له في تعيين عبد الرق، أو العتق، بل يَتْبَعُ ما ورد به الخبر، وللإمام هاهنا بحثان (2):
أحدهما: إذ كنا نَعْتِقُ عبداً، وَنَرِقُّ عبدين، ورأينا إثبات الرق والحرية فقد قال الأَصْحَابُ -رحمهم الله-: يَثْبُتُ الرق في رقعتين، والحرية في رقعة على نسبة المطلوب في القلة، والكثرة، فإن ما يكثر فهو أحرى بسبق (3) اليد إليه وفي كلامهم ما