فالمذكور في الكتاب: أنه لا يُشْتَرَطُ الفَوْرُ بعد الموت لأنها إذا تأخرت عن الخِطَابِ، واعتبر وُقُوعُهَا بعد الموت، لم يكن في اشتراط (1) اتِّصَالِهَا بالموت معنى، ولذلك لا يُشْتَرَطُ في قَبُولِ الوَصِيَّةِ.
ونفى الإِمَامُ الخِلاَفَ في ذلك، لكن في "التهذيب" وغيره ذكْرُ وجهين، فيما إذا قاله: إذا مِتُّ وشِئْتَ بعد موتي، فأنت حرٌّ -أن المَشِيئَةَ تكون على الفَوْر أو التَّرَاخِي، والصورة كالصورة. ولو قال: إذا مِتُّ فشئت، فأنت حُرٌّ، فهل يشترط اتِّصَالُ المَشِيئَةِ بالموت؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا -كما لو قال: أنت حُرٌّ بعد موتي إن شئت، وأراد إِيقَاعَ المَشِيئَةِ بعد الموت.
والثاني: نعم -لأن "الفاء" تقتضي التَّعْقِيبَ من غير تَخَلُّلِ فَصْلٍ، والأول أَصَحُّ عند الصَّيْدَلاَنِيُّ، وبالثاني أجاب الأكثرون (2).
ويجري الخِلاَفُ في سائر التعليقات؛ مثل أن يقول: إن دَخَلْتِ الدار، وكَلَّمْتِ زبداً، فأنت طالقٌ، هل يشترط اتِّصَالُ الكلام بالدخول؟ ولو قال: إذا مِتُّ فمتى (3) شِئْتَ فأنت حر، فلا يشترط اتِّصَالُ المشيئة بالموت بلا خلاف.
ولو قال: إذا مِتُّ فأنت حُرُّ إن شئت، أو قال: أنت حر إذا مِتُّ إن شئت، فيحتمل أن يُرَادَ بهذا اللفظِ المَشِيئَةُ في الحياة، ويحتمل أن يراد به المَشِيئَة بعد الموت، فيراجع ويعمل بمُقْتَضَى إرادته؛ فإن قال: أَطْلَقْتُ ولم أَنْوِ شيئاً، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يحمل اللَّفْظُ على المَشِيئَةِ في الحياة؛ لأن قوله: إذا مِتُّ فأنت حر، بمَثَابَةِ قوله: دَبَّرْتُكَ. ولو قال: دَبَّرْتُكَ إن شئت أو إذا شِئتَ اعْتُبِرَتِ المَشِيئَةُ في الحياة، فكذلك هاهنا، فعلى هذا يكفي العِتْقُ المَشِيئَةُ في حياة السِّيَّدِ، ويعتبر أن يشاء على الفَوْرِ على الظاهر.
والثاني: أنه يحمل على المَشِيئَةِ بعد موت السَّيِّدِ؛ لأنه أَخَّرَ ذِكْرَ المشيئة عن ذكر الموت فالسابق (4) إلى الفَهْمِ منه المَشِيئَةُ بعد الموت، وهذا ما أجاب به أكثرهم؛ منهم أصحابنا العِرَاقِيُّونَ، وشرطوا أن تكون المَشِيئَةُ بعد الموت على الفَورِ، وقَضِيَّةُ ما ذكره في الكتاب من قبل ألاَّ يشترط الفَوْرُ.
والثالث: ألاَّ يحصل العِتْقُ، إلاَّ أن يَشَاءَ في الحياة، وَيشَاءَ بعد الموت أيضاً؛ لأن