قال الرافعي: غرض الفصل الكلام في شروط الاقتداء، ويتضمنها أمور مستحبة ويعقبها فروع:
فأما الشروط فقد عدها ستة:
أحدها: أن لا يتقدم المأموم على الإمام في جهة القبلة (1)، فإن تقدم ففيه قولان:
الجديد: أن صلاته لا تنعقد، كما لو كان متقدماً عند التحرم، وتبطل لو تقدم في خلالها، وبهذا قال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: لأن المخالفة في الأفعال مبطلة على ما سيأتي، وهذه المخالفة أَفْحَشُ من المخالفة في الأفعال، وهذا هو الذي أورده في الكتاب.
والقديم وبه قال مَالِكٌ: أنه لا يخل بالصلاة؛ لأنه خطأ في الموقف فأشبه الخطأ بالوقوف على اليسار.
إذا عرفت حكم المتقدم عرفت أن هذا الشرط مختلف فيه، وإدراجه في الشروط جواب على الجديد، والأدب للمأموم أن يتخلف عن موقف الإمام قليلاً إذا كان واحداً، فإن أم به اثنان فصاعداً فيصطفون خلفه، ويكون بينهم وبين الإمام قدر من التخلف صالح كما سيأتي، ولو ساوى الإمام المأموم فلم يتخلف ولا تقدم صحت صلاته.
قال في "النهاية" و"التهذيب" وغيرهما: والاعتبار في المساواة والتقدم بالعقب، فإن المأموم قد يكون أطول فيتقدم رأسه عند السجود، والقدم والأصابع قد تكون أطول أيضاً، فلذلك وقع الاعتبار بالعقب فإن تحاذى عقب الإمام وعقب المأموم، أو تقدم عقب الإمام جاز، وإن كانت أصابع المأموم متقدمة، ولو تقدم عقب المأموم فهو موضع القولين وإن كانت أصابعه متأخرة أو محاذية، وذكر في "التتمة" وجهاً آخر: أنه تصح صلاته نظراً إلى الأصابع، وفي "الوسيط" ذكر الكتب بدل العقب، والوجه الأول.
هذا فيمن بعد عن البيت، أما إذا صلوا جماعة في المسجد الحرام، فالمستحب أن يقف الإمام خلف المقام، ويقف الناس مستدبرين بالكعبة، فإن كان بعضهم أقرب إليها، نظر إن كان متوجهاً إلى الجبهة التي توجه إليها الإمام ففيه القولان؛ القديم والجديد، وإن كان متوجهاً إلى غيرها فطريقان، عن أبي إسحاق المروزي أنه على القولين.