ألا تَرَى أنه يَبْطُلُ السَّلَمُ فيما يَعِزُّ وُجُودُهُ، كما يَبْطُلُ فيما يُسْتَيْقَنُ (1) عَدَمُهُ، والوَجْهَانِ ظاهران على طَرِيقَةِ من يَقُولُ: يشترط التَّأْجِيلُ في الكتابة لتحصل القُدْرَةُ على الأَدَاءِ.
قال الإِمام: ويمكن إِجْرَاؤُهُمَا مع الاعْتِمَادِ على اتباع الأولين، فعلى أحد الوَجْهَيْنِ يجوز لِحُصُولِ صُورَةِ التأجيل والتَّنْجِيم.
وعلى الثاني: لا يَجُوزُ، فإنا وإن اتَّبَعْنَا، فلا يتكرر (2) منهم معنى المُوَاسَاةِ، وإذا بَعُدَ الإِمْكَانُ بَطَلَتْ المُوَاسَاةُ، وهذا يناظر اختلاف القول في إِلْحَاقِ المَحَارِم بالأَجْنَبِيَّاتِ فَي اللَّمْسِ النَّاقِصِ للطَّهَارَةِ.
ثم في الفصل مسألتان:
إحداهما: يجوز أن يُجْعَلَ عِوَضُ الكتابة مَنْفَعَةً؛ كَبِنَاءِ دار أو خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وخِدْمَةِ شَهْرٍ، كما يجوز أن تُجْعَلَ المنافع ثَمَناً وأُجْرَةً.
وعن مالك (3) مَنْعُهُ، ولا يجوز أن يكتفي بِخِدْمَةِ شهر أو شهرين، أو سَنَةٍ عِوَضاً، وتقدر خِدْمَةُ كل عشرة أيام نَجْماً، أو خِدْمَةُ كل شهر من السَّنَةِ نَجْماً؛ لأن الجميع نَجْمٌ واحد، والمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ به في الحال، إلاَّ أنه يوفى بِمُضِىِّ الزمان، ولو شرطا صَرِيحاً أن يكون خِدْمَةُ شهر نَجْماً، وخِدْمَةُ الشهر بعده نَجْماً آخر، فوجهان:
أصحهما: وهو المَنْصُوصُ في "الأم"-: المَنْعُ؛ لأن مَنْفَعَةَ الشهر الثاني مُتَعَيِّنَةٌ، والمَنَافِعُ المتعلقة بِالأَعْيَانِ لا يجوز أن يشرط تأخيرها.
الثاني: يجوز، واتِّصَالُ ابتداء الشَّهْرِ الثاني بإنهاء (4) الأول يُخْرِجُهُ عن أن يكون عَقْداً على المستقبل.
وهذا كالخِلاَفِ في إجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ القابلة، أو هو هو، فإن انْقَطَعَ مبتدأ المُدَّةِ الثانية عن مُنْقَرض (5) الأولى؛ كما لو كَاتَبَهُ على خِدْمَةِ شهر، وخِدْمَةِ شهر آخر بعد ذلك الشَّهْرِ بعشرة أيام لم يَجُرْ بلا خلاف. وينبغي أن تَتَّصِلَ الخِدْمَةُ وغيرها من المَنَافِعِ المتعلقة بالأَعْيَانِ بِعَقْدِ الكتابة ولا تَتَأَخَّرُ عنها.
وهذا كما أن عين المَبِيعِ لا تقبل التَّأْجِيلَ، وتأخير التسليم.
ولو كَاتَبَهُ في رَمَضَانَ على خِدْمَةِ شَوَّالٍ يجز (6)، ولو كاتبه على دِينَارٍ يُؤَدِّيهِ في آخِرِ الشَّهْرِ، وعلى خدمة شهر بعد ذلك لم يَجُزْ.