ووجه ذلك بأن قَبْضَ النجوم مُسْتَحَقٌّ، ولو أخذها المولى من غير إِقْبَاضٍ من المُكَاتَب، وقع موقعه (1)، وإذا كان الأَمْرُ بهذه المَثَابَةِ، فبالأخذ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وإذا بَرِئَ عُتِقَ. هَذا هو المشهور المذكور في الكتاب.
وقال الإِمام: إن عَسِرَ وُصُولُ السَّيِّدِ إلى حَقِّهِ إلا من جِهَةِ قبض ما يصادف، فله ذلك، وإن أَمْكَنَ (2) مُرَاجَعَةُ من ينصبه القاضي نَاظِراً لِلْمُكَاتَب، فلا وَجْهَ لاسْتِبْدَادِهِ بالقَبْضِ عندنا، ولو اسْتَبَدَّ لم يَصِحَّ، وإذا لم يَصِحَّ؛ فلو أقبضَ المَجْنُون لم يكن لإِقْبَاضِهِ حُكْمٌ.
وفي خلال كَلاَمِ الإِمام إِثْبَاتُ قول أو وجه في أن الكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ بجنون المُكَاتَب، وقد تَعَرَّضَ له صَاحِبُ الكتاب من بَعْدُ، فإن ثبت ذلك رُخِّصَ في إِعلام قوله هاهنا: "عتق" بالواو وهذا في الكتابة الصحيحة وأما الفَاسِدَةُ؛ فهل تَبْطُلُ بجنونهما وإغمائهما؟
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نعم؛ لِجَوَازِهَا من الطرفين كالشَّرِكةِ والوِكَالَةِ.
والثاني: لا؛ لأن المُغَلَّبَ فيها التَّعْلِيقُ، والتعليق لا يَبْطُلُ بالجنون، ويحكى هذا عن الشيخ أَبِي حَامِدٍ، وهو الأَصَحُّ عند الإِمَامِ ووجهه بأنها -وإن كانت جَائِزَةً- فَمَصيرُهَا إلى اللُّزُومِ كالبيع في زمان الخِيَارِ.
وأصحها عند الأكثرين -وهو ظَاهِرُ النَّصِّ- أنها تبطل بِجُنُونِ السَّيِّدِ وإغمائه بالحَجْرِ عليه، ولا تبطل بِجُنُونِ العبد وإِغْمَائِهِ.
والفَرْقُ أن الحَظَّ في الكتابة للعبد، لا للسيد؛ لما سبق أنها تَبَرُّعٌ، فيؤثر اختلال عقل السيد، ولا يُؤَثِّرُ اخْتِلاَلُ عَقْل العبد.
وأيضاً فإن العَبْدَ لا يَتَمَكَّنُ من فَسْخِ الكتابة، ورفعها صحيحة كانت أو فاسدة، وإنما يعجز نفسه، ثم السيد يَفْسَخُ إن شاء، وإذا لم يملك الفَسْخَ لم يُؤَثِّرْ جُنُونُهُ.
وأيضاً فإن الكِتَابَةَ الصحيحة أيضاً جائزة في حَقِّ العَبْدِ، وجوازها لا يقتضي بُطْلانَهَا بجنونه؛ فكذلك الكِتَابَةُ الفاسدة، فإن قلنا: إنها لا تبطل، فلو أَفَاقَ وأَدَّى المسمى عُتِقَ، وثبت التَّرَاجُعٌ، وبمثله أجابوا فيما إذا أخذ السَّيِّدُ في جُنُونِهِ، وقالوا: ينصب الحاكم مَنْ يرجع له.
وينبغي أن يقال: لا يُعْتَقُ هاهنا بِأَخْذِ السيد وإن قلنا في الكِتَابَةِ الصحيحة: إنه يُعْتَقُ؛ لأن المُغَلَّبَ هاهنا التَّعْلِيقُ، والصفة المعلق عليها الأَدَاء من العبد، ولم يوجد