فَيَسْتَرِدُّهُ مُؤَدِّيهِ. وهذا قد سَبَقَ ذِكرُهُ في "قَسْمِ الصَّدَقَاتِ".
ويجوز أن يُعَلَمَ قَوْلُهُ في الكتاب: "فيجب ردها" لخلاف بَيَّنَاهُ هناك، وليس هذا الفَسْخُ على الفَوْرِ، بل له تَأْخِيرُهُ إلى أن يَشَاءَ، كالفَسْخِ بالإِعْسَارِ (1).
وإذا استنظره المُكَاتَبُ، فَيُسْتَحَبُّ له أن يُنْظِرَهُ. ثم لا يُلْزَمُ الإِمْهَال؛ بل له الرُّجُوعُ إلى الفَسْخِ مهما بَدَا له، خِلاَفاً لأبي حنيفة.
وإذا طالبه بالمَالِ، فَلاَ بُدَّ من الإِمْهَالِ بِقَدْرِ ما يَخْرُجُ من المَالِ من الصنْدُوقِ والدُّكَّانِ وَالمَخْزَنِ ويزن (2)، وإن كان مَالُهُ غائباً، فقد أَطْلَقَ الإمَامُ وصاحب الكتاب: للسيد الفَسْخُ، ولْيُحْمَلْ على تَفْصِيلٍ، ذكره ابن الصَّبَّاغ، وصاحب "التهذيب" وغيرهما -رحمهم الله- وهو أنه إن كان على مَسَافَةِ القَصْرِ، لَم يَلْزَمْهُ التأخير إلى أن يُحْضِرَهُ؛ لِطُولِ المُدَّةِ، وإن كان على مَا دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ، لَزِمَ التَّأْخِيرُ إلى أن يحضره، وإن كان له دَيْنٌ على إِنْسَانٍ فإن كان حَلاًّ، ومن عليه مَلِيٌّ، وجب التَّأْخِيرُ إلى اسْتِيفَائِهِ، كما لو كانت له وَدِيعَةٌ عند غيره؛ فإن كان مُؤَجّلاً، أو على مُعْسِرٍ، فلا يجب التَّأْخِيرُ.
وإن كان الدَّيْنُ على السَّيِّدِ، وهو من جِنْسِ النجوم، ففيه الخِلاَفُ في التَّقَاصِّ، وإن كان مِنْ غير جِنْسِهِ أَدَّاهُ لِيَصْرفَهُ المُكَاتَبُ إلى جنس النجوم، ولو حَلَّ النَّجْمُ وهو نَقْدٌ، وللمكاتب عُرُوضٌ، فإن تأتَّى بيعها على الفَوْرِ، فلا يَفْسِخُ السيد وتُبَاعُ، وإن احْتَاجَ البَيْعُ إلى مُدَّةٍ لكسادٍ وَغَيْرِهِ، فَقَضِيَّةُ ما أَطْلَقَهُ الصَّيْدَلاَنِيُّ أنه لا يَفْسِخُ أيضاً.
ورأى الإِمام جَوَازَ الفَسْخِ، ونَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ غيبة المال، وهذا أظهر وضبط في "التهذيب" مُدَّة التأخير (3) للبيع بثلاثة أَيَّامٍ، وقال: لا يلزم أَكْثَرُ من ذلك. والله أعلم.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: (الثَّانِي): إِذَا غَابَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ فَلَهُ الفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الرَّفْعِ إِلَى القَاضِي، وَإِنْ كَانَ بِإذْنِهِ بَعْدَ المَحَلِّ فَلَيْسَ لَهُ الفَسْخُ حَتَّى يُخْبِرَهُ مُخْبِرٌ أنَّهُ قَدْ نَدِمَ عَلَى الإِنْظَارِ، فَإنْ قَصَّرَ فِي الإِيَابِ فَلَهُ الفَسْخُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا حَلَّ النجم، والمُكَاتَبُ غائب، أو غَابَ بعد الحُلولِ بغير إِذْنِ السيد، فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الكتابة إن شاء بِنَفْسِهِ، وإن شاء بالحاكم؛ لأن المُكَاتَبَ كان ينبغي