وإن صححنا الهِبَةَ بشرط الثَّوَاب؛ لأن في قَدْرِ الثواب اخْتِلاَفاً بين العلماء؛ فقد يحكم الحَاكِمُ بشيء قَلِيلٍ، ولأن الثواب إِنما يُستَحَقُّ بِإِقْبَاضِ الموهوب، وفيه خطر، وسنذكر أنه لا يسلم مبيعاً (1) قبل قَبْضِ الثمن على الظاهر.
فإن كان الثَّوَابُ مَعْلُوماً، وكان فيه غِبْطَةٌ، فقد قال الإِمام: إن قلنا: هذه الهِبَةُ بَيْعٌ، ولا يشترط في ثبوت الملك فيها إِقْبَاضٌ، فهي مُجْرَاةٌ على قياس البُيُوعِ.
وإن شرطنا الإِقْبَاضَ، فمن يَشْتَرِطُهُ لا يوجبه، فلا يمتنع أن يصحح الهِبَةَ، ويمنع من الابْتِدَاءِ بالإِقْبَاض، حتى يسبق قبض العِوَضِ، بخلاف البيع نسيئة (2) فإنه يوجب تَسلِيمَ المبيع قبل قبض للثمن.
وعن الشيخ أبي مُحَمَّدٍ أنه لا يَحِلُّ له التَّبَسُّطُ في المَلاَبِسِ (3) والمَأْكَلِ، ولا يكلف فيها التَّغْيير المُفْرِطَ أيضاً.
وليس له أن يَدْفَعَ المَالَ إلى غيره قِرَاضاً، فإنه قد يَخُونُ أو يَمُوتُ، فَيَضِيعُ، وله أن يأخذه قِرَاضاً؛ لأنه نوع يكسب، ولذلك ليس له أن يُقْرِضَ، وله أن يَسْتَقْرِضَ، وليس له تعْجِيلُ الديون المُؤَجَّلَة؛ لما فيه من تَفْوِيتِ الانْتِفَاعِ بالمال من غير ضرورة.
الثانية: لا يشتري أَحَداً من أُصُولِهِ وفروعه، لِتَضَمُّنِهِ العِتْقَ، وفَوَاتَ المال، خلافاً لأبي حَنِيْفَةَ وأحمد -رحمهما الله-.
ولو وهب منه قريبه، أو أوصى له به؛ فإن لم يَقْدِرْ على الكَسْبِ لهرمه أو لزمانه وعجز، وكان يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لم يَجُزْ له قَبُولُهُ.
وقيل: يجوز قبول (4) الزمن، فقد يكتسب من غير عَمَلٍ. وهذا ما اختاره الصَّيْمَرِيُّ فيما نقل القاضي الرُّوَيانِيُّ في "الكافي".
وإن كان كَسُوباً يقوم بكِفَايَةِ نفسه، جاز قَبُولُهُ، بل يستحب؛ لأنه لا ضَرَرَ عليه في القَبُولِ، ثم لا يعْتَقُ عليه؛ لأَن ملكه ضعيف (5)، ولكن يكاتب عليه، فيعتق بِعِتْقِهِ، وبرق بِرِقِّهِ، وليس له بَيْعُهُ.