الحالة الأولى: إذا جنى على أَجْنَبِيٍّ؛ فله القِصَاصُ، فإن عَفَا المستحق على المال، أو كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً للمال، تَعَلَّقَ برقبته تباع فيه، إلاَّ أن يفديه (1) المُكَاتَبُ وبم يَفْدِيهِ؟ أَيَفْدِيهِ بالأَرْشِ بِكَمَالِهِ، أو يفديه بالأَقَلِّ منه ومن قيمته؟
فيه قولان:
فإن قلنا بالأَوَّل فإن كان الأَرْشُ قَدْرَ قيمته، أو أقل؛ فَلِلْمُكَاتَبِ الاسْتِقْلاَل به، وإن كان أكثر لم يَسْتقل به.
وفي جَوَازِهِ بإذن السَّيِّدِ الخِلاَفُ في تَبرُّعَاتِهِ بالإِذْنِ. ومنهم من قَطَعَ بأنه يَفْدِيهِ بالأقل. ثم ظاهر لفظ "المختصر" أنه يعتبر قيمة العَبْدِ يوم الجِنَايَةِ؛ لأنه يوم تَعَلَّقَ الأَرْشُ بالرَّقَبَةِ. وعن ابن خَيْرَانَ أنه يجيء قول آخر (2) أنه يعتبر قِيمَةُ يَوْمِ الانْدِمَال؛ بِنَاءً على أنه وَقْتُ المُطَالَبَةِ بالمال. وحكى القَفَّال أنه ينبغي أن يختبر قِيمَةُ يَوْمِ الفِدَاءِ؛ لأن المُكَاتَبَ إنما يمنع من بَيْعِهِ، وَيَسْتَدِيمُ المِلْك فيه يومئذ.
وذكر القاضي ابْنُ كَجٍّ أن المَذْهَبَ اعْتِبَارُ أقل القيمتين من قِيمَةِ يوم الجِنَايَةِ، وقيمة يوم الفِدَاء؛ احتياطاً للمُكَاتَبِ، وإبْقَاءً للملك عليه.
ونسب هذا إلى نَصِّهِ -رضي الله عنه- في "الأم". قال: وعندي أن الحُكْمَ في جِنَايَةِ المكاتب بنفسه إذا اعتبرنا قِيمَتَهُ كذلك هذا في عَبْدِ المُكَاتَبِ الذي لم يكاتب عليه. فأما من يكاتب عليه كَوَلَدِ المُكَاتَبِ من أَمَتِهِ، وكما لو وَهَبَ منه ولده، أو والده -حيث يعُوزُ له القَبُول- فليس له أن يَفْدِيَهُ بغير إِذْنِ السَّيِّدِ، وإن أَذِنَ فهو على الخِلاَفِ في تَبَرُّعَاتِهِ بالإذْنِ؛ وذلك لأن فِدَاءَهُ كَشِرَائِهِ.
وقد قدمنا هذا، وذكرنا أن الإِمَامَ حكى عن العِرَاقِيِّينَ -رحمهم الله- أنه لو كان له كَسْبٌ، فله أن يَصْرِفَهُ إلى الأَرْشِ، ويَفْدِيَهُ به وأنه استبعد ذلك، وقال: كَسْبُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ المكاتب، وأنه حكى عنهم أن له أن يَبِيعَ كُلَّهُ، وإن زاد على الأَرْشِ.
ولا يوجد هذا في كتبهم على هذا الإِطْلاَقِ، ولكن قالوا (3): يُبَاعُ منه بقَدْرِ الأرْشِ، فإن لم يَتَيسَّرْ بيع كله، وأدى من ثمَنه الأَرْشَ، والفَاضِلُ لِلسَّيِّدِ، وهذا ليس بِبَعِيدٍ. وكذلك القَوْل في المَرْهُونِ إذا زاد على قَدْرِ الدَّيْنِ. ولو جنى بَعْضُ عَبِيدِ المُكَاتَب على بَعْضٍ، أو جَنَى عَبْدُ غَيْرِهِ على عَبد له، فله أن يَقْتَصَّ؛ لأنه من مَصَالِح المِلْكِ، فلا يحتاج فيه إلى إِذنِ السَّيِّدِ. وفيه قول: أنه لا يَقْتَصَّ إلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وعليه