كِتَابُ صَلاَةِ المُسَافِرِينَوَفِيهِ بَابَانِ
قال الغزالي: الأَوَّلُ، في القَصْرِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالمَحَلِّ وَالشَّرْطِ.
قال الرافعي: لم يترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافرين، لا على معنى أن للمسافرين صلاة يختصون بها، ولكن على معنى أن لهم كيفية في إقامة الفرائض لا تعم كل مصل، وإنما شرعت تخفيفاً عليهم؛ لما يلحقهم من تَعَبِ السَّفرِ.
وهي نوعان:
أحدهما: تخفيف في نفس الصَّلاة، وهو القصر.
والثاني: تخفيف في رعاية وقتها، وهو الجمع فرسم لهم بابين، والتخفيف الثاني: لا يختص بالسفر بل المطر يثبته أيضاً، لكن السفر أقوى سببيه على ما تبين في التفاصيل، فجعل الآخر تبعاً له، وأورد في صلاة المسافرين.
أما القصر فهو جائز بالإجماع، وقد قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1).
روي أن يعلى بن أمية قال: "قُلْتُ لِعُمَرَ بنِ الْخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنَّمَا قَالَ اللهُ: {إِنْ خِفْتُمْ} وَقَد أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عُمَرٌ عَجِبْتُ مَمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (2).
وهل هو رخصة أو عزيمة؟ عندنا هو رخصة.
ولو أراد الإتمام جاز، وبه قال أحمد؛ لما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا رَجَعْتُ قَالَ مَا صَنَعْتِ فِي سَفَرِكِ، فَقُلْتُ: أَتْمَمْتُ الَّذِي قَصَرْتُ وَصُمْتُ الَّذِي أَفْطَرْتُ فَقَالَ: أَحْسَنْتِ" (3).