فأما التقديم فجائز بالشراط المذكورة في التقديم بسبب السَّفَرِ، ولا فرق بين قوي المَطَر وضعيفه إذا كان بحيث يبل الثوب، والشَفّان -مطر وزيادة- والثّلج والبَرَد إن كانا يزوبان فهما كالمطر، وإلا فلا يرخصان في الجمع.
وفيه وجه: أنه لا يرخصان فيه بحال اتباعاً للفظ المطر، ثم هذه الرخصة تثبت في حتى من يصلي في الجماعة، ويأتي مسجداً بعيداً يتأذى بالمطر في إتيانه، فأما إذا كان يصلي في بيته منفرداً أو في جماعة أو كان يمشي إلى المسجد في ركن، أو كان المسجد على باب داره أو النساء يصلين في بيوتهن، هل تثبت هذه الرخصة؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بِسَبَبِ المَطَرِ وَبُيُوت أزواجه بجنب المسجد.
وأصحهما: لا؛ لأنه يتأذى بالمطر، وبيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت مختلفة منها ما هو بجنب المسجد، ومنها ما هو بخلافه، فلعله حين جمع لم يكن في البيت الملاصق، ومن أصحابنا من ينقل بدل الوجهين قولين في هذه المسائل، وينسب الجواز إلى "الإملاء" والمنع إلى "الأم"، وأما التأخير، فهل يجوز بسبب المَطَرِ؟ روي في الكتاب فيه وجهان.
وقال جمهور الأصحاب: فيه قولان:
القديم: أنه يجوز كما في السَّفَرِ يجوز التقديم والتأخير جميعاً.
والجديد: أنه لا يجوز؛ لأن استدامة السفر إليه متصورة واستدامة المطر متعذرة، فربما تمسك السماء قبل أن يجمع فإن جوزنا التأخير قال أصحابنا العراقيون: صلاها مع الثانية، سواء كان المطر متصلاً أو لم يكن، وذكر في "التهذيب" أنه لو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية، لم يجز الجمع وصلّى الأولى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية، وقضية هذا أن يقال: لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع أيضاً، وصارت الأولى قضاءً كما لو صار (1) مقيماً، وإذا قدم فلا بد من وجود المطر في أول الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر، وهل يجب مع ذلك وجوده في حالة التحلل عن الصَّلاة الأولى؟ نقل في "النهاية" عن المعظم أنه لا يجب، وعن أبي زيد أنه لا بد منه أيضاً ليتحقق اتصال آخر الأولى بأول الثانية مقروناً بالعذر، وهذا الثاني هو الذي ذكره أصحابنا العراقيون وصاحب "التهذيب" وغيرهم، ولا يضر بعد وجوده في الأحوال الثَّلاث انقطاعه في أثناء الصَّلاة الأولى أو في الثانية، أو بعد