جُمْعَتَانِ فالَّتِي تَقَدَّمَ تكْبِيرُهَا هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ: الْعِبْرَةُ بِتَقَدُّمِ السَّلاَمِ، وَقِيلَ بِتَقَدُّمِ أَوَّلِ
الْخُطْبَةِ، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِكَيْلاَ يَقْدِرَ كُلُّ شِرْذِمَة عَلَى تَفْوِيتِ الجُمُعَةِ عَلَى الأكْثَرِينَ، وَإِنْ وَقَعَتِ الجُمْعَتَانِ مَعاَ تَدَافَعَتَا فَتُسْتَأْنَفُ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا إِنْ أَمْكَنَ التَّلاَحُقُ وَالتَّسَاوُق، فَإِنْ تَعَيَّنَتِ السَّابِقَةُ ثُمَّ الْتَبَسَتْ فَاتَتِ (وز) الجُمُعَةُ وَوَجَبَ (ز) الظُّهْرُ عَلَى الجَمِيعِ، وَلَوْ عُرِفَ السَّبْقُ وَلَمْ تَتَعَيَّنِ اسْتُؤنِفَتِ الجُمُعَةُ (و) وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ كَأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ، وَفِيهِ قَوْلٌ (1) آخَرُ: أَنَّ الجُمُعَة فَائتَةٌ.
قال الرافعي: قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه-: ولا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلاَّ في مسجد واد، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك، وإذا لم تجز إقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات، واحتمل تعطل المسجد عرف أن المقصود إظهار شعار الاجتماع، واتفاق كلمة المسلمين فليقتصر على الواحد؛ لأنه أفضى إلى هذا المقصود؛ ولأنه لا ضبط بعد مجاوزة الواحد، وتكلم الأصحاب في أمر "بغداد"، فإن أهلها لا يقتصرون على جمعة واحدة، وقد دخلها الشافعي -رضي الله عنه- وهم يقيمون الجمعة في موضعين.
وقيل: في ثلاثة فلم ينكر عليهم، وذكروا فيه وجوهاً.
أحدها: أن الزيادة على الواحدة إنما جازت في بغداد؛ لأن نهرها يحول بين شِقَّيْهَا، فيجعلها كبلدين، قاله أبو الطيب بن سلمة، وعلى هذا لا يقام في كل جانب إلا جمعة واحدة، وكل بلدة حال بين جانبها نهر يحوج إلى السباحة والزوارق فهي بمثابة بغداد، واعترض الشيخ أبو حامد على هذا فقال: لو كان الجانبان كالبلدين لجاز القصر لمن عبر من أحد الجانبين إلى الآخر، وإن لم يجاوز ذلك الجانب وابن سلمة فيما حكى القاضي ابن كج الزم هذه المسألة فالتزمها، وقال: يجوز له القصر.
والثاني: أن الزيادة على الواحدة إنما جازت لأنها كانت ترى متفرقة، ثم اتصلت الأبنية فأجرى عليها حكمها القديم، وعلى هذا يجوز التعديد في كل بلدة كانت كذلك، واعترض الشيخ أبو حامد عليه بمثل ما اعترض به على الوجه الأول، وربما يلتزم الصائر إليه جواز القصر أيضاً، فإن الإمام حكى عن صاحب "التقريب" أنه قال: يجوز أن يقال، على هذا، إذا جاوز الهام بالسفر قرية من تلك القرى ترخص.
والثالث: أنها إنما جازت؛ لأن بغداد بلدة كبيرة يشق على أهلها الاجتماع في موضع واحد وعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في سائر البلاد إذا كَثُر