بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ" (1).
وهذا يشعر بزيادته على الأربعين، وقد حكى القاضي الروياني الخلاف في المسألة قولين:
القديم: أنه زائد على الأربعين.
قال الغزالي: وَلَوِ انْقَبَضَّ القَوْمُ فِي الخُطْبَةِ لَمْ يَجُزْ (خ) لِأَنَّ إِسْمَاعَهَا أَرْبَعِيْنَ رَجُلاً وَاجِبٌ، فَإِنْ سَكَتَ الخَطِيبُ ثُمَّ بَنَى عِنْدَ عَوْدِهِمْ مَعَ طُولِ الفَصْلِ فَقَدْ فَاتَتِ المُوَالاةُ، وَفِي اشْتِرَاطِهَا قَوْلاَن، وَكَذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهَا بَيْنَ الخُطْبَةِ وَالصَّلاةِ.
قال الرافعي: العدد المعتبر في الصَّلاَة وهو الأربعون مُعْتَبَرٌ في الكلمات الواجة
من الخُطْبَة، واستماع القوم إليها فقال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (2)
قال كثير من المُفَسِّرِين: إن المراد منه الخَطْبَة.
وعن أبين حنيفة في رواية: أنه لو خطب منفرداً جاز، واحتجوا عليه بأن الخطبة ذكر واجب في الجمعة، فيشترط حُضُور العدد فيه كتكبيرة الإحرام.
إذا عرفت ذلك فلو حضر أربعون فصاعداً لإقامة الجمعة ثم انفض كلهم أو بعضهم، والباقون دون الأربعين لم يخل إما أن يكون الانفضاض في أثناء الصَّلاة وسيأتي في الفصل التالي لهذا الفصل، أو قبلها وذلك إما أن يكون قبل افتتاح الخطبة أو في أثنائها، أو بعدها، فإن كان الانفضاض قبل افتتاح الخطبة لم يبتدئ حتى يجتمع أْربعون، وإن كان في أَثْنَائِها -وهي مسألة الكتاب- فلا خلاف في أن الركن الْمَأْتِيّ به في غيبتهم غير محسُوب، بخلاف ما إذا نقص العدد في الصَّلاة، فإن فيه خلافاً سيأتي.
قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: والفرق أن كل مُصَلٍّ يصلي لنفسه فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصَّلاة، وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه، وإنما الغرض إسماع الناس وتذكيرهم، فما جرى ولا مستمع أو مع نقصان عدد المستمع فقد فات فيه مقصود الخطبة، فلم يحتمل، ثم ننظر إن عادوا قبل طول الفَصْل بني على الخطبة، فإن الفَصْلَ اليسير في مثل ذلك كعدم الفَصْل، ألا ترى أنه لو سلم ناسياً ثم تذكر ولم يطل الفصل جاز، وكذلك يحتمل الفَصْل اليسير بين صلاتي الجمع، وإن عادوا بعد طول الفصل فهل ينبي أم يستأنف؟ فيه قولان يعبر عنهما بأن الموالاة هل تجب في الخطبة أم لا؟
أحدهما: لا؛ لأن الغرض الوعظ والتذكير، وذلك حاصل مع تفرق الكلمات.