وأظهرهما: لا، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا إِهَابٍ دُبغَ فَقَد طَهُرَ" (1) والغالب في الدباع الإحالة دون الإزالة، ومعناه أن الجلد بنزع الفضلات يستحيل إلى الطهارة، كالخمر يَستَحِيْلُ خَلاًّ.
الثانية: إذا دبغ الجلد بشيء طاهر فهل يجب. غسله بعد الدباغ؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نعم، لإزالة أجزاء الأدوية فإنها نجست بملاقاة الجلد، وبقيت ملتصقة به.
والثاني: لا، لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَقَدْ طَهُرَ" فإن قلنا: يجب فالجلد بعد الدباغ طاهر العين كالثوب النجس بخلاف ما إذا أوجبنا استعمال الماء في أثناء الدباغ، ولم يستعمل، فإنه يكون نجس العين، وهل يطهر بمجرد نقعه في الماء أم لا بد من استعمال الأدوية ثانياً؟ فيه وجهان. وإذا أوجبنا الغسل بعد الدباغ لم يَجُزْ أن يكون الماء متغيراً بالأدوية وإذا أوجبنا الاستعمال في أثناء الدباغ لم يضر كونه متغيراً بها؛ بل لا بد منه فلهذا وصف الماء في المسألة الثانية بكونه مُطْلَقاً، ولم يتعرض لذلك في الأولى.
قال الغزالي: ثُمَّ الجِلْدُ المَدْبُوغُ طَاهِرٌ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ (وم) يَجُوزُ بَيْعُهُ (وم) وَيَحِلُّ أكْلُهُ عَلَى أَقْيَسِ القَوْلَيْنِ.
قال الرافعي: هل يطهر بالدباغ، باطن الجلد كظاهره أم لا يطهر إلا ظاهره؟ فيه قولان:
الجديد: أنه يطهر الباطن، والظاهر حتى يصلى فيه وعليه ويباع ويستعمل في الأشياء الرطبة، واليابسة لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيُّمَا إِهَابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ" ولقوله: "هَلاَّ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُم بِهِ". أطلق ولم يفصل بين الانتفاع في الرطب، واليابس؛ ولأن الدباغ يؤثر في الظاهر والباطن جميعاً.
والقديم: وهو مذهب مالك أنه: لا يطهر باطنه حتى يصلى عليه، ولا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل في الأشياء الرطبة (2) لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلاَ عَصَبٍ" (3). ظاهره المنع مطلقاً خالفنا في ظاهر الجلد جمعاً بينه وبين الأخبار المجوزة للدباغ، وأما الأكل منه، فإن كان جِلْدَ مَأَكُولٍ فقولان: