وحكى في "النهاية" عن كلام بعض الأصحاب ما يوهم أنهما لا يتعينان، ولم ينقله وجهاً مجزوماً به.
والثالث: الوصية بالتقوى لِأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "وَاظَبَ عَلَيْهَا فِي خُطْبَتِهِ" (1).
ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير، فلا يجوز الإخلال به، وهل يتعين لفظ الوصية؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كالحمد لله والصلاة.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب لا؛ لأن غرضها الوعظ فبأي لفظ وَعظ حَصَل الغَرَضُ، وقد روي هذا عن نصه في "الإملاء" قال الإمام: ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، فإن ذلك قد يتواصى به المنكرون للمعادِ أيضاً، بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالى وحده، والمنع من المعاصي، ولا يجب في المَوْعِظَةِ فَصْلٌ وكلامٌ طويلٌ، بل لو قال: أطيعوا الله كفاه، وأبدى الإمام احتمالاً فيه، وقال: الغرض استعطاف القلوب، وتنبيه الغافلين ولا يحصل ذلك إلا بفصل يهز ويستحث، وعلى ذلك جرى الأولون، واللائَّق بمذهب الشافعي -رضي الله عنه- الاتباع، ولا تردد في كلمتي الحمد والصلاة أنهما كافيتان، ثم هذه الأركان الثلاثة لا بد منها في الخطبتين جميعاً، وحكى الحناطي وجهاً غريباً أنه لو صلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- في إحداهما جاز، فيجوز أن يُعَلَّم لذلك لفظ (الصلاة) في قوله: "والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين" بالواو.
والرابع: الدُّعَاءُ للمؤمنين ركنٌ في ظاهر المذهب اتباعاً، وفيه أوجه أُخَر أنه لا يجب في غير الخطبة كالتسبيح، وكلام صاحب "التلخيص" يوافق هذا الوجه، ويحكى عن نصه في "الإملاء" أيضاً، وإذا قلنا بالأول فهو مخصوص بالثَّانية فإن الدعاء يَلِيقُ بحالة الاختتام، ولو دعا في الأول لم يحسب عن الثانية، ويكفي ما يقع عليه الاَسم قال الإمام: وأرى أنه يجب أن يكون متعلقاً بأمور الآخرة غير مقتصرٍ على أوطار الدُّنيا، وأنه لا بأس بتخصيصه بالسّامعين بأن يقول: رحمكم الله.
الخامس: قراءة القرآن، وهي من الأركان.
روي أنه -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ يَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى" (2)، ونقل قول عن "الإملاء": أنها ليست من الأركان، وإنما هي من المستحبات وقد يحكى المذهبان على وجهين عن أبي إسحاق المروزي فإن قلنا بالمشهور، وهو أنها ركن فقد قال الأصحاب: أقله آية،