بعض الأصحاب ما ينازع فيه، ويشعر باستحباب التعدد -والله أعلم-.
قال الغزالي: ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بليغتين قَرِيبَتَيْنِ مِنَ الإِفْهَامِ مَائِلَتَيْنِ إِلَى القِصَر يَسْتَدبِرُ القِبْلَةَ فِيهِمَا، وَيَجْلِسُ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةِ الإِخْلاَصِ، وَيَشْغَلُ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي الخُطْبَتَيْنِ بِحَرْفِ المِنْبَرِ وَالثَّانِيَةَ بِقَبْضِ سَيْفِ أَوْ عَنْزَةٍ.
قال الرافعي: الجملة الثانية: السنن المتعلقة بنفس الخطبة.
منها:. أن تَكُونَ الخُطْبَةُ بليغةً غير مُؤَلَّفَةٍ من الكلمات المتبذلة؛ لأنها لا تؤثر في القُلوب، ولا من الكلمات الغربية الوحشية؛ فإنه لا ينتفع بها أكثر النَّاس؛ بل يجعلها قريبة من الإفهام.
ومنها: أن لا يطول، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "قِصَرُ الْخُطْبَةِ وَطُولُ الصَّلاَةِ مِئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ" (1) وإنما قال: مائلتين إلى القِصَر ولم يقل قصيرتين؛ لأن المحبوب فيهما التَّوَسُّط، روي أن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَتْ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً" (2).
ومنها: أن يستدبر القبلة ويقبل على النَّاس ولا يلتفت يميناً وشمالاً، روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ إذَا خَطَبَ اسْتَقبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَقْبَلُوهُ وَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ" (3) وإنما استدبر القبلة؛ لأنه لو استقبلها لم يخل إما أن يكون في صدر المسجد على ما هو المعتاد أو في آخره، فإن كان في صدر المسجد واستقبلها، كان مستدبراً للقوم، واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح، خارج عن عرف المخاطبات، وإن كان في آخره فإما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين للقبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجم الغفير، وإما أن يستدبروه فيلزم ما ذكرنا من الهيئة القبيحة، ثم لو خطب مستدبراً للناس جاز، وإن خالف السنة، وحكى في "البيان" وغيره وجهاً أنه لا يجزئ.
ومنها: أن يجلس بين الخطبتين بقدر قراءة سورة "الإخلاص" حكى عن نصه في "الكبير" قال الإمام: وهو قريب من القدر المستحب من الجلسة بين السجدتين. وقوله: (ويجلس بين الخطبتين) إلى آخره الغرض منه عد تقدير الجلوس بالقدر المذكور من جملة السُّنَن.
وأما أصله فهو من الواجبات وهو كقوله: (ثم يخطب خطبتين بليغتين) لا أنه