وروي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ أغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ" (1).
وعن مالك غُسْلَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ لكن تَصِحّ الصلاة بدونه، والخبر الثاني حُجَّة عليه.
وثم فيه مسائل:
إحداها: وقت هذا الغسل ما بعد الفجر؛ لأن الأخبار علقته باليوم نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً" (2).
وفي "النهاية" حكاية وجه بعيد أنه يجزئ قبل الفجر كما في غسل العيد، وظاهر المذهب الأول، والفرق بينه وبين غسل العيد، إن جوزناه قبل طلوع الفجر من وجهين:
أحدهما: أنه إذا اغتسل قبل طلوع الفجر يبقى أثره إلى أن يؤدي صلاة العيد لقربها من أول النَّهَار، وصلاة الجُمُعَة تُؤَدَّى بعد الزَّوال فلا يبقى أثره.
والثاني: أنه لو لم يجز غُسْل العِيد قبل الفَجْر لَشَقَّ لقرب صَلاَتِهِ من أول النهار، بخلاف غسل الجمعة فإن من طلوع الفجر إلى وقت الصَّلاة سعة، والأولى أن يقرب الغسل من الرواح إلى الجمعة؛ لأن الغرض التنزه وقطع الروايح الكريهة، فما كان أفضى إليه فهو أولى.
وقوله: (ويستحب ذلك بعد الفجر) ليس الغرض منه أن إيقاعه بعد الفجر مستحب فإن ذلك شرط الإجزاء على ما بينه بقوله: (ولا يجزئ قبل الفجر) وإنما المراد بيان استحباب أصل الغسل.
وقوله: (بعد الفجر) إشارة إلى وقت هذا المستحب.
وإذا عرفت ذلك فأعلم قوله: (ويستحب ذلك) بالميم.
وقوله: (ولا يجزئ قبل الفجر) بالواو؛ لما سبق، وذلك أن تعلم قوله: "وأقربه إلى الرَّواح أحب" بالميم؛ لأن أصحابنا رووا عن مالك أنه يشترط اتصال الرَّوَاح بالْغُسْلِ، وأنه لا يجوز أن يشتغل بعده بشيء سِوَى الخروج، ومن يقول بذلك ينازع في قولنا: الأقرب إلى الرواح أْحَب.