الجواز أن التزين بالتبرين يظهر لكافة الناس، والجواهر النفيسة يختص بمعرفتها بعضهم، فيكون السرف والخيلاء في التبرين أكثر، وهذا قضية قول صاحب الكتاب؛ لأن نفاستها لا يدركها إلا الخواص، وكيف ما كان؟ فالأصح أنها ليست في معنى الذهب والفضة ولا خلاف في أن تكون نفاسته بسبب الصّنْعَةِ لا يحرم استعماله، ولا يكره كَلِبْسِ الكِتَّانِ النَّفِيسِ.
قال الغزالي: وَالمُمَوَّهُ لاَ يحْرُمُ عَلَى أَظَهْرَ المَذْهَبَينِ، وَالمُضَبَّبُ في مَحَلٍّ يَلْقَى فَمِ الشَّارِبِ مَحْظُورٌ عَلَى الأَظْهَرِ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ فَإنْ كَانَ صَغِيراً لاَ يَلُوحُ مِنَ البُعْدِ أَوْ عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ الكَسْرِ فَجَائزٌ (و) فَإِنْ انْتَفَى المَعْنَيَانِ فَحَرامٌ (ح) وَاِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَوَجْهَانِ، وَفِي المُكْحَلَةِ الصَّغِيرَةِ تَرَدُّدٌ.
قال الرافعي: لو اتخذ إناء من حديد، أو غيره، ومَوَّهَهُ بالذهب، أو الفضة، نُظِرَ إن كان يحصل منها شيء بالعرض على النار، منع من استعماله، وليس هذا موضع الخلاف؛ وإن لم يحصل شَيءٌ فهل يمنع من الاستعمال؟ فيه وجهان مبنيان على مثل ما ذكرنا في الجواهر النفيسة.
قال قائلون: إن قلنا: إن التحريم لعين الذهب والفضة فلا منع، وإن قلنا: إنه لمعنى الخُيَلاَء منع منه، وقال آخرون: معنى الخُيَلاَء معْتَبَرٌ، لكن من جوز قال: المُمَوَّه لا يكاد يخفى، ولا يلتبس بالتِّبْرِ، ولو اتُّخِذَ إناء من ذهب أو فضة وَمَوَّهَهُ بنِحاس أو غيره، جرى الخلاف، إن قلنا: التحريم لعين الذهب والفضة يحرم، وإن قلنا: لمعنى الخُيَلاَء فلا. ولو غشى ظاهره وباطنه جميعاً بالنحاس.
قال الإمام: الذي أراه القطع بجواز استعماله والذي يجيء على قول: من يقول التحريم لعين الذهب والفضة، أن يقول بالتحريم هاهنا أيضاً. وقوله: في الأصل "على أظهر المذهبين" -بمعنى- الوجهين اللَّذَيْنِ ذكرناهما (1) وأما المُضَبَّبُ، فينظر إن كانت الضَّبَّةُ على شَفَةِ الإناء، بحيث تلقى فم الشارب، فوجهان:
أحدهما: التحريم، وبه قال مالك قدس الله روحه سواء كانت صغيرة أو كبيرة على قدر الحاجة، أو فوقها لكونها في موضع الاستعمال.
والثاني: أنها كما لو كانت في موضع آخر، وصاحب الكتاب في آخرين جعلوا الوجه الأول أظهر، ولعل الذي دعاهم إليه أنه أشبه بكلام الشافعي -رضي الله عنه- في المختصر، لكن معظم العراقيين على أنه لا فرق بين أن تكون الضَّبَّة على موضع الشرب