وهذا حسن إلا أن هذا القدر لا يقتضي التّحريم عند الشافعي -رضي الله عنه-، لأنه قال: في "الأم": ولا أكره لبس اللؤلؤ إلا للأدب فإنه من زي النِّساء لا للتَّحريم.
الثالثة: تحريم الحرير على الرِّجال لا يختصّ باللبس بل افتراشه والتَّدثُّر به واتّخاذه ستراً، وسائر وجوه الاستعمال في معنى اللبس خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: "لا يحرم إلا للبس" ولأبي الفضل العراقي من أصحابنا حيث قال فيما حكاه أبو عاصم العبادي؛ إنه يجوز لهم الجلوس عليه.
لنا ما روي عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نَهَانَا رَسُولُ اللهِ عَنْ لِبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَإِنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" (1).
ولأن السَّرف والخُيَلاء في سائر وجوه الاستعمال أظهر منه في اللبس، فيكون بالتحريم أولى. وهل يحرم افتراش الحرير على النساء؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا كاللبس.
وأظهرها -ولم يورد في "التَّهْذِيب" سواه- نعم كاستعمال الأواني للسّرف والخيلاء، بخلاف اللبس فإنه للزينة فصار كالتَّحلِّي.
الرابعة: هل للقوم إلباس الصّبيان الحرير أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا لتغليظ ورد فيه عن ابن عمر -رضي الله عنه (2) - بل عليهم أَنْ يمنعوهم من لبسه.
والثَّاني: نعم؛ لأن ثوب الحَرِير لائق بحال الصّبيان إذ ليس لهم شَهَامة تناقضها، وحكى في "البيان" وجهاً ثالثاَ: وهو الفرق بين أن يكون دون سبع ستين، فلا يمنع منه وبين أن يكون له سبع سنين فصاعداً؛ فيمنع منه كَيْلا يعتاده، وهذا الوجه أظهر ولم يذكر في "التَّهذيب" سواه.
الخامسة: حيث قلنا بتحريم لبس الحرير، فذلك عند عدم الضرورة والحاجة، فأما عن الضرورة فلا بأس بلبسه كما إذا فاجاءه القتال ولم يجد غيره، وهذا قد سبق ذكره في "صلاة الخوف".
وقوله: "ويجوز للغازي لبس الحرير" محصول على هذه الحالة، وليس الغزو عذراً على الإطلاق، فهو إذن مكرر، ومن الضرورة لبسه لحر أو برد مهلك.