قال الغزالي: ثُمَّ إِذَا خَطَبَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.
قال الرافعي: وروي أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَغْدُو يَومَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعِ فِي طَرِيقٍ" (1). واختلفوا في سببه قيل: ليتبرك به أهل الطَّريقين. وقيل: ليستفتى فيهما. وقيل: ليتصدق على فقرائهما. وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما. وقيل: ليشهد له الطريقان. وقيل: ليزداد غيظ المنافقين. وقيل: لئلا تكثر الزَّحمة.
وقيل: كان يتوخَّى أطول الطريقين في الذِّهاب وأقصرهما في الرجوع، وهو أظهر المعاني ثم من شاركه من الأَئمَّة في المعنى استحب له ذلك، وفيمن لا يشارك وجهان.
قال أبو إسحاق: لا يستحب له ذلك.
وقال ابن أبي هريرة: يستحب كالرّمل والاضْطِبَاع يؤمر بهما مع زوال المعنى، وإلى هذا ميل الأكثرين وهو الموافق لإطلاق لفظ الكتاب ويستوى في هذه السُّنة الإمام والقوم، نصّ عليه في "المختصر" ولم يتعرض في الكتاب إلا للإمام.
قال الغزالي: وَيُسْتَحَبُّ فِي عِيدِ النَّحْرِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ عَقِيبَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَكتُوبَةٍ، أَوَّلَهَا الظُّهْرُ مِنْ يَوْمِ العِيدِ، وَآخِرُهَا الصُّبْحُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ قِيلَ: يُسْتَحَبُّ عَقِيبَ كُلِّ صَلاةٍ تُؤَدَّى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وإنْ كَانَ نَفْلاً أَوْ قَضَاءَ، وَقِيلَ: لاَ يُسْتَحَبُّ إلاَّ عَقِيبَ الْفَرْضِ وَقِيلَ: لاَ يُسْتَحَبُّ إلاَّ عَقِيبِ فَرْضِ مِنْ فَرَائِضِ هَذِهِ الأَيَّامِ صُلِّيَت فِي هَذِهِ الأيَّامِ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً.
قال الرافعي: سبق الوَعْدُ بالكلام في التَّكْبير المقيّد في عيد النحر وهو غرض هذا الفصل. فنقول: أولاً لا فرق في هذا التكبير بين المنفرد ومن يصلّي جماعة، ولا بين الرجال والنساء والمقيم والمسافر. وعند أبي حنيفة: لا يكبر المنفرد ولا المرأة ولا المسافر، ثم النَّاس ينقسمون إلى الحجيج وغيرهم.
أما الحَجِيج فيبتدءون التكبير عُقَيْبَ الظّهر يوم النحر ويختمونه عُقَيْبَ الصُّبح آخر أيام التشريق قاله العرِاقيون وغيرهم، ووجهوا الابتداء بأن ذكر الحجيج التَّلبية، وإنما يبدلونها بالتَّكبير مع أوَّل حصاة يرمونها يوم النَّحر، فالظهر أول صلاة ينتهون إليها من وقت قطع التَّلبية. قالوا: والختم لأن سبح اليوم الثالث آخر صلاة يصلونها بمنى.
قال الإمام: ولا شك فيما ذكروه في الابتداء وفي الانتهاء تردد.
وأما غير الحجج فخلف كم صلاة يكبرون فيها طريقان: