رَكِبَ وَخَطَبَنَا، وَقَالَ: صَلَّيْتُ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رسول الله يُصَلِّي بِنَا" (1).
وإنما تقام الجَمَاعة لهما في المسجد دون الصَّحراء لما قدمنا من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- ولأن هذه الصَّلاة بعرض الفَوَات بالانجلاء.
واعلم قوله: "ويستحبّ أن تؤدى بالجماعة" بالحاء والميم؛ لأن عند أبي حنيفة لا تؤدى صلاة خسوف القمر بالجماعة، بل يؤدونها منفردين.
وعند مالك -رحمه الله- لا يصلون له أصلاً، واللفظ يشمل الصَّلاتين جميعاً، ويجوز أن يعلّم بالواو أيضاً؛ لأن إمام الحرمين قال: ذكر شيخنا الصيدلاني من أئمتنا من خرج في صلاة الخسوفين وجهاً؛ أن الجماعة شرط فيها كالجمعة، ولم أجده في كتابه هكذا لكن قال: خرج أصحابنا وجهين في أنها، هل تصلّى في كل مسجد أو لا تكون إلا في جماعة واحدة؟ كالقولين في العيد.
الثانية: يستحبُّ للإمام أن يخطب بعد الصلاة خطبتين بأركانهما وشرائطهما المذكورة في صلاة الجمعة (2)، ولا فرق بين أن يقيموا الجماعة في مصر أو يقيمها المسافرون في الصَّحراء.
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- لا خطبة في هذا الباب أصلاً.
لنا ما روى عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لما خُسِفَتِ الشَّمْسُ صَلَّى فَوَصَفَت صَلاتَهُ، ثُمَّ قالت فَلما انْجَلَت انْصَرَفَ وخطب الناس وذَكَرَ اللهِ تَعَالى جَدُّهِ واثْنَى، عَلَيْهِ" (3). وينبغي للإمام أن يحثَّ الناس في هذه الخطبة على الخير والتوبة عن المعاصي، ومن صلى منفرداً لم يخطب، فإن الغرض من الخطبة تذكير الغير.
فإن قلت: قضية التّشبيه في قوله: "كما في العيد" أن يكبر في أوَّل الخطبتين كما يفعل في خُطْبتي العيد، فهل هو كذلك أم لا؟.
فالجواب: أنّ كُتُبَ الأصحاب ساكتة عن التَّصريح بذلك مع تعرّضهم لأذكارها المفروضة والمندوبة على التّفصيل، وأعادها هاهنا ولو كان التّكبير مشروعاً هاهنا لأعادوا ذكره، سيما في المطوّلات، فإذًا المراد تشبيهُها بخطبتي العيد في تأخيرها عن الصَّلاة على الإطلاق -والله أعلم-.