أمَّا الأول فقضيته تقديم النَّوعين على سائر الأنواع المباحة كالصُّوف وغيره، وهذا شيء لم نَرَهُ في كلام الأصحاب وإن أراد الثَّاني فظاهر اللَّفظ معمول به في حقِّ النِّسَاء دون الرجال. أما إنه معمول به في حق النساء (1) فلأن تكفينهن بغير هذه الأنواع وهو الحرير جائز، وإن كره فينتظم أن نقول تكفينهن بهذه الأنواع مستحب، وأما أنه غير معمول به في حق الرجال، فلأن اسْتِحْباب شيء من هذه الأنواع إنما يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الأنواع، وأنه ممتنع.
الثانية: أقل الكفن ثوب واحد، وأحبه للرجال ثلاثة أثواب.
روى أن النبي: "كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ" (2). ثم شرط صاحب الكتاب في الثَّوب الواحد الأقل أن يكون سَاتراً لجميع البدن، وهكذا ذكر الإمام وكثير من الأصحاب، وحكى آخرون من العراقيين وغيرهم: أن الواجب قدر ما يستر العورة؛ لأن الميت ليس آكد حالاً من الحَيِّ، والواجب في الحي ستر العورة لا غير وعلى هذا يختلف الحال باختلاف حال الميت في الذُّكورة والأنوثة لاختلاف مقدار العورة بالحالتين وجمع القاضي الرُّويَانيْ وآخرون بين النقلين وجعلوا المسألة على وجهين:
أحدهما: أن الواجب القدر السَّاتر للعورة.
والثاني: أنَّ الواجب ثوب سابغ وقد حكى عن نصه في "الأم" أنه إن كان له ثوب واحد لا يغطي جميع البدن ستر به العورة؛ لأنه واجب وستر غيرها ليس بواجب فإن (3) كان يبدو رأسه أو رجلاه غطى به رأسه، لما روي أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يخلف إلا نمر فكان إذا غطى بها رأسه بدت رِجْلاَه، وإذا غطَّى بها رجليه بدى رأسه، فقال: "غَطُّوا بِهَا رَأسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخَرِ" (4).
واعرف في قوله في الكتاب: "وأما عدد فأقله ثوب واحد
... " إلى آخره شيئين:
أحدهما: أنَّ هذا اللفظ يقتضي كون الواحد عدداً لكن الحساب لا يجعلون الواحد عدداً ويقولون العدد ما يتركب عن الواحد.
والثَّاني: أنا وإن أوجبنا ثوباً ساتراً لجميع البدن، فذلك في حقِّ غير المُحْرم، أما