اللهُ عَنْهُمَا- مُسَطّحَةً" (1).
وقال ابن أبي هريرة: إن الأفضل الآن العُدول من التَّسْطِيح إلى التَّسْنِيم؛ لِأَنَّ التَّسْطِيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم، وصيانة الميت وأهله عن الاتِّهام بالبدعة، ومثله ما حكي عنه أن الجَهْر بالتَّسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحبّ الإسرار بها مخالفة لهم، واحتج له بما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ يَقُومُ إِذَا بَدَتْ جَنَازَة فَأُخْبِرَ أَنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُ ذلِكَ فَتَرَكَ الْقِيَامِ بَعْدَ ذلِكَ مُخَالَفَةَ لَهُمْ" (2).
وهذا الوجه هو الذي أجاب به في الكتاب، ومال إليه الشيخ أبو محمد -رحمه الله- وتابعه القاضي الروياني. لكن الجمهور على أن المذهب الأول.
قالوا: ولو تركنا ما ثبت في السُّنة لإطباق بعض المبتدعة عليه لجرَّنا ذلك إلى تَرْكِ سُنَنِ كثيرة وإذا اطَّرد جرينا على الشيء خرج عن أن يعد شعاراً للمبتدعة.
قال الغزالي: ثُمَّ الأَفْضَلُ لِمُشَيِّعِ الجَنَازَةِ أَنْ يَمْكُثَ إِلَى مُوَارَاةِ المَيِّتِ.
قال الرافعي: عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَرَجَعَ فَلَهُ قِيْرَاطٌ، وَمَن صَلَّى عَلَيْهِا وَلَمْ يَرجِعْ حَتَّى دُفِنَ فَلَهُ قِيْرَاطَانِ أَصْغَرُهُمَا -وَرُوِيَ أحَدُهُمَا- مِثْلُ أُحُدٍ" (3). قال الأَصْحَاب: وللانصراف من الجَنَازَةِ أربع درجات:
إحداها: أن ينصرف عُقَيْبَ الصَّلاة فله من الأجر قيراط.
والثانية: أنْ يتبعها حتى تُوَارى ويرجع قبل إِهَالة التُّراب.
والثالثة: أنْ يقف إلى الفَرَاغ من القبر، وينصرف من غير دُعَاء.
والرابعة: أن يقف على القبر، ويستغفر الله تعالى جدُّه للميت، وهذه أقصى الدَّرَجات في الفضيلة، روي أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ إذَا فَرَغَ منْ قَبْرِ الرَّجُل وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَال: اسْتَغْفِرُوا اَللهَ لَهُ، وَاسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى لَهُ التَّثبِيتَ فَإِنَّهُ الأَنَ يُسْأَلُ" (4). وحيازة القِيْرَاطِ الثَّاني تحصل لصاحب الدَّرَجة الثَّالثة، وهل تحصل لصاحب الثانية؟ حكى الإمام فيه