باب
القول في إحالة أمر الأمر لنفسه ونهيه لهاوقد اتفق على أنه لا يصح أمر الآمر لنفسه, والدليل على ذلك أنه لا تأثير لطلب العاقل الفعل من نفسه واقتضائه منها بالقول, لأن المكتسب من الخلق للفعل إنما يكتسبه لتوفر دواعيه إليه وعلمه بما له فيه من النفع, وما عليه في تركه من الضرر, فإذا قدر عليه وأراده وتوفرت دواعيه عليه فعله لا
ص: 13 حالة فما وجه أمره لنفسه به؟
ويدل على ذلك أن الأمر والنهي لا بد أن يقترن بهما ترغيب بتفضل أو بمستحق, وترهيب بفعل ضرر مستحق بالمخالفة. والإنسان لا يصح أن يضر نفسه, ويترك دفع الضرر عنها مع قدرته على ذلك وعلمه به وقصده إليه, لأجل نهي لنفسه عن ذلك وأمر لها بترك. فبان أنه لا معنى ولا وجه لجواز أمر الآمر لنفسه, وإنما يصح أمره لغيره.
فصل: فإن قال قائل: أفيجوز أن يأمر الآمر كل غير له ممن يصح علمه بالخطاب وتلقيه عنه؟
قيل له: أما جواز وقوع أمر الآمر لكل غير له ممن يصح علمه بالخطاب وتلقيه عنده- وإن كان فوقه, وممن لا يجب عليه طاعته- فإنه جائز صحيح ولكنه مما يلزم امتثال موجبه, ولا معنى ولا وجه له. وإن أراد السائل عن هذا أن أمر العبد لربه عز وجل, والعبد لسيده, والولد لوالده صواب وحسن وحق يجب الانقياد لصاحبه, فذلك خطأ وجهل بإجماع الأمة, ومما لا وجه له.