العلماء في قطع النباش لشدة الخفاء في حقه.
وفوق الخفي المشكل: وهو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعنى الذي وضع له واضع اللغة الاسم أو إرادة المستعير لدقة المعنى في نفسه لا بعارض حيلة.
كما يشكل طريق المنزل إذا دق في نفسه فكان هذا الخفاء فوق الذي كان بعارض حلية حتى كاد المشكل يلتحق بالمجمل، وكثير من العلماء لا يهتدون إلى الفرق بينهما.
وفوق المشكل المجمل: وهو الذي لا يعقل معناه أصلاً لتوحش اللغة وضعاً، أو المعنى استعارة، وهو الذي يسميه أهل اللسان: الغريب، والغريب: اسم لمن فقد في مكان وجوده عادة، وهو الوطن وصار بحيث لا يوفق عليه بعد الغربة إلا عن استفسار، وهو كقول الله تعالى: {وحرم الربا} لأن الربا في اللغة: الفضل، ولكن الله تعالى ما أراده فالربح حلال ولكن أراد به بيوعاً محرمة شرعاً بسبب فضل أو غيره، فصارت غربية بأن نقلت عما وضع له واضع اللغة إلى معنى أراده المتكلم، فصار لا يوقف على المعنى المراد إلا بعد البيان، إلا أن يكثر الاستعمال لمعنى معلوم فيصير المعنى بالاستعمال كالأهلي وكالغريب إذا توطن ببلدة عرف بها فكان المجمل فوق المشكل، فالمشكل ما له طريق إلى مراده ولكن اشتبه لدقته وخفائه، والمجمل ما لا طريق إلى مراده ولكن احتمل بيان الطريق.
وفوق المجمل المتشابه: وهو الذي تشابه معناه على السامع من حيث خالف موجب النص موجب العقل قطعاً ويقيناً التبديل فتشابه المراد بحكم المعارضة بحيث لم يحتمل زوالها بالبيان، لأن موجبات العقول قطعاً لا تحتمل التبديل ولا موجب النص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى في المتشابه: {وما يعلم تأويله إلا الله} فكان فوق المجمل الذي يحتمل البيان والله أعلم به.
وحكم الخفي: وجوب الطلب على العبد بتأمله في نفسه حتى يظهر.
وحكم المشكل: وجوب الطلب بتأمله في نظيره من كلام العرب مما عقل معناه.
وأما المجمل فحكمه: التوقف فيه، واعتماد أن ما أراد الله تعالى منه حق إلى أن يأتيه البيان من غيره، كالذي ضل الطريق فسبيله التوقف إلى أن يأتيه من يهديه، وكذلك يلزمه الاشتغال بطلب من يهديه إن رجا ذلك، ثم بعد البيان يلزمه ما يلزمه بالمفسر أو الظاهر عل حسب اقتران البيان به.
وأما المتشابه فحكمه: التوقف أبداً على اعتقاد الحقيقة للمراد به فيكون العبد به مبتلى بنفس الاعتقاد لا غير، والله أعلم.