باب
القول في الآية المؤولة
وقد مر تفسيرها وإنما أعدنا لبيان جواز التأويل بالرأي، وكونها حجة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" والجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنا جوزنا التأويل دون التفسير- وقد يبق الفرق بينهما- فالتفسير: بيان لا يبقى فيه شك وشبهة ويضلل مخالفه، ومن ادعى ذلك برأيه وضلل مخالفه فسق كالخوارج والروافض وكان لهم النار.
والثاني: أن هذا الوعيد لمن فسر برأيه، ورأيه على الإطلاق ما استفاد بنفسه دون شرعه، وإنما يستفيد من نفسه رأي الهوى وما فيه مصالح دنياه، وحصول مراده فمن فسر القرآن بهذا الرأي فسق أو كفر كالروافض.
وإنما يجوز له التفسير بالرأي الذي أفادته الشريعة بأن عرف أصول الشرع وإشاراته وما يبتنى عليه أمر دينه فأول المشكل على ذلك، ولفق بين المتناقض منه ظاهراً، فيكون هذا تفسيراً برأي الشرع لأنه ما استفاد هذا الرأي إلا من الشرع وقد اشتغل به الصحابة، والسلف الصالحون إلى يومنا هذا ومتى لم نجوز هذا لم يمكننا الخروج عن طعن الملحدين في القرآن، والله أعلم.
فإن قيل: كيف تكون الآية المؤولة حجة مع احتمال الغلط والله تعالى يقول: {ولا تقف ما ليس لك به علم}؟
قلنا: إن المؤول وإن احتمل الغلط فإنه يجوز العمل به إذا ترجح أحد الوجهين على الآخر، وعند الرجحان يقع بالراجح علم مثله، وهو علم الظاهر دون الإحاطة واليقين لبقاء الوجه الآخر، وعند الرجحان يقع بالراجح علم مثله، وهو علم الظاهر دون الإحاطة واليقين لبقاء الوجه الآخر محتملاً في الجملة توسعة علينا كما جوزوا العمل بالخبر الواحد على ما نذكره، وبالقياس مع احتمال الغلط، وقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} ورد فيما لا علم له به أصلاً لأنه نكرة في النفي والعلم له مراتب على ما بينا في آخر الكتاب.
وإنما يذم الإنسان إذا قصر في الطلب فاقتصر على أدنى منازل العلم، وقد أمر ببلوغ الأقصى فأما ما دام في الطلب وللعلم درجات فحميد منه سعيه وإن كان قولاً بما لا علم له به يقيناً لأنه لا وسع له إلا ذلك ولا تكليف إلا به، والله أعلم.