باب
القول في أقسام الرواة الذين تقبل روايتهم
الراوي إما أن يكون معروفاً بعلمه ونسبه، أو مجهولاً ما عرف إلا بحديث رواه أو بحديثين.
ثم كل واحد منهما إما أن يكون ظهر من الصحابة أو السلف رضي الله عنهم.
رد عليه أو قبول منه. فيصيرون أقساماً أربعة.
أما المشهورون: فنحو الخلفاء الراشدين، والعبادلة الثلاثة رضي الله عنهم.
وأما المجهولون: فنحو معقل بن يسار، وسلمة بن المحق، ووابصة بن معبد، وسائر الأعراب الذين ما عرفوا إلا بما رووا.
ثم خبر المشهور حجة ما لم يخالف القياس الصحيح.
فإذا خالف نظر: فإن كان الراوي من أهل الفقه والرأي والاجتهاد رد القياس بخبره.
وإن لم يكن من أهل الفقه والرأي رد خبره بالقياس.
أما الأول فلأن الخبر أولى في الجملة من القياس، لأن الخبر في الأصل حجة يقيناً، وإنما وقع الإشكال في نقل الناقل والرأي في أصله إشكال في حق الإصابة، ولأن شبهة الرأي من حيث أنه لعله لم يبلغ حيث كان الحق، وشبهة الرواية من حيث قصد الكذب أو اعتراض نسيان، فيكون لا محالة بعارض فكان دون الذي يتوهم من قبل عدم علة الإصابة.
ولأن القائس استشهد بوصف هو ساكت عن إيجاب ما ادعى، وإنما جعله شاهداً بضرب إشارة من الشرع والراوي استشهد بكلام مبين.
فالرأي للقياس مقام السماع للخبر، وبينهما تفاوت في الإصابة.
والوصف الذي به جمع القائس بين الأصل والفرع مقام النص المنقول وبينهما تفاوت في الإبانة وقد اشتهر من الصحابة والسلف ترك الرأي بالخبر الواحد، وإثبات الحكم بخلاف القياس فسموه معدولاً به عن القياس وأبوا القياس عليه.
وأما الذي ليس من أهل الفقه، فلأنه قد ثبت ثبوتاً ظاهراً الرد على أبي هريرة بالقياس، وكان رضي الله عنه من المشهورين المعدلين روى أبو هريرة رضي الله عنه: "الوضوء مما مسته النار"، فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنتوضأ من الماء