وأما الذين قالوا بالرد, فاحتجوا بأن خبر الواحد يرد بتكذيب العادة على ما مر في الباب الأول فلأن يرد بتكذيب الراوي نفسه أولى، لأن إنكاره حجة في حق نفسه فسقط روايته: إما بالحجة, وإما بالتناقض فيصير الحديث منقطعًا.
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يرى للجنب التيمم, فروى له عمار فقال له: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذا كنا الإبل فأجنبت فتمعكت في التراب ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض فتمسح بهما وجهك وذراعيك" فلم يذكره عمر ولم يعمل به, وعمار كان عدلاً ثقة.
وكذلك لم يعمل أبو حنيفة وأبو يوسف بحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل" لأن ابن جريج سأل الزهري عن هذا الحديث فلم يعرفه.
ولأن خبر الفرع في إثبات الراوية ليس بأولى من خبر الأصل في إنكاره إن لم يترجح الإنكار على الدعوى لأن كل واحد منهما عدل, وكما يحتمل حال المنكر النسيان بعد المعرفة احتمل حال المدعي الاشتباه والغفلة, وأنه قد سمع الحديث غيره فنسي فظن أنه سمع هذا.
وإذا كان كذلك تثبت المعارضة فلم يثبت أحدهما, يدل عليه أن الإنسان كما يعلم بسماعه عن أمر يقين فكذلك يعلم بتركه الرواية عن سبب يقين فلا فرق بينهما بوجه.
وحديث ذو اليدين محمول على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر أنه ترك الشفع من الصلاة, أو تذكر غفلته عن حاله يشغل قلب اعتراض له.
وعلى هذا عادات الناس أنهم إذا عملوا من أحوالهم في الغفلة تعرفوا من غيرهم.
وعلى هذا يجوز أن يقال في الخبر أن الراوي الأصلي ينظر في نفسه فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان إذا كانت عادته ذلك في محفوظاته قبل رواية غيره عنه, وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر رده وقلما ينسى الإنسان شيئًا ضبطه نسيانًا لا يتذكر بالتذكير, والأمر يبتنى على الظواهر لا على النوادر.
وأما عمل الراوي بخلاف الخبر:
فإن كان قبل الرواية فلا يكون تكذيبًا بوجه لأن الظاهر أنه تركه لما بلغه الخبر وكذلك إذا لم يعلم التاريخ حمل عليه تحريًا لموافقة السنة.
وأما إذا كان بعد الرواية نظر فيه: فإن كان الخبر يحتمل ما عمل به الراوي بضرب