باب
القول في بيان المعارضة من تفسيرها وركنها وشرطها وحكمها
أما المعارضة فتفسيرها: الممانعة على سبيل المقابلة، يقال: عرض لي أمر أي استقبلني فمنعني، والعوارض في اللغة الموانع.
وسميت المعارضة بين الحجج معارضة لأنها تقوم متقابلة متمانعة لا يمكن الجمع بينهما.
أما شرط المعارضة: فاجتماع الحجتين المتدافعتين بإيجاب كل واحدة منهما ضد الأخرى في محل واحد ووقت واحد كالتحليل والتحريم والإثبات والنفي، وهما متساويتان في القوة لأن الضعيف لا يقابل القوي.
وإنما قلنا في وقت واحد ومحل واحد لأن الضدين إنما يستحيل ثبوتهما لمحل واحد لتنافيهما بذواتهما.
فأما في محلين فجائز لارتفاع التنافي كالليل جائز في بعض ساعات الزمان والنهار في بعضها.
وكذلك سواد العين وبياضها اجتمعا في العين في مكانين منهما، فاتحاد المحل شرط قيام المعارضة لأنها لا تعمل عملها إلا عند اتحاد المحل، ولا تعمل بالمحل وهذا آية الشرط على ما يأتيك بيانه.
وكذلك اتحاد الوقت شرط لجواز اجتماع الضدين في محل واحد في وقتين على التعاقب كالحياة والممات في شخص واحد في وقتين.
وأما الركن: فالحجتان فيهما تقوم المعارضة وركن كل شيء ما يقوم به الشيء.
فإن قيل: لما كانت المعارضة لا تثبت إلا بالتراد، كيف استقامت في حجج الله تعالى الثابتة يقينًا.
قلنا: لا تثبت بين الحجج الثابتة يقينًا لأن التعارض بين آيتين أو سنتين لا يثبت إلا بحيث لو علم تاريخهما لكان الآخر ناسخًا للأول، والأول منسوخًا به فتكون الثابتة أحديهما إلا أنا جهلنا الآخرة فيثبت التعارض.
وأما القياسان إذا تعارضا فالذي معه الحق عند الله، وحجته على الحق الذي عنده